كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 3)
قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ، قَالَ: إذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدْعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إلَيَّ رَضَاعُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا، انْتَهَى. وَفِي هَذَا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَمَهَا حِينَ وَضَعَتْ، وَفِي الْأَوَّلِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ تَرَكَهَا حَتَّى فَطَمَتْ وَلَدَهَا، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، وَفِيهِ مَقَالٌ، وَيَتَقَوَّى الثَّانِي بِرِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَفِيهَا أَنَّهُ عليه السلام رَجَمَهَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا امْرَأَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا وُجِدَ لِوَلَدِهَا كَفِيلٌ، وَالْأُخْرَى لَمْ يُوجَدْ لَهَا كَفِيلٌ، فَوَجَبَ إمْهَالُهَا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
باب الوطء الذي يوجب الحد
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ عليه السلام: "ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ"، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي "الْخِلَافِيَّاتِ" لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَفِي "مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا هُشَيْمِ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاذًا، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ، قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحَدُّ فَادْرَأْهُ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِكُلِّ شُبْهَةٍ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي "سُنَنِهِ"1 حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَهُوَ مَعْلُولٌ بِإِسْحَاقِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ.
قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَرِيَّةٌ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك، وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ، وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ، لَا يُحَدُّ، لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهِ، فمن مذهب عمر أنها تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، قُلْت: مَذْهَبُ عُمَرَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ" أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ، وَلَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ
__________
1 عند الدارقطني في "الحدود" ص 339.
الصفحة 333