كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 3)

وَوَاضَعُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، فِيهِمْ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ الْكُوفَةَ عَلَى عَلِيٍّ، وَبَعَثَ عَلِيٌّ إلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ، فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، أَوْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا، أَوْ تَظْلِمُوا ذِمَّةً، فَإِنَّكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ نَبَذْنَا إلَيْكُمْ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، مُخْتَصَرٌ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ" أَيْضًا1، وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ.
قَوْلُهُ: لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمَ الْجَمَلِ: وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ وَلَا يُكْشَفُ سِتْرٌ، وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ، قُلْت: رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي آخِرِ "مُصَنَّفِهِ" حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ السُّدِّيَّ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا، وَلَا تُجْهِزُوا على جريج، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنْ الضَّحَّاكِ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا هَزَمَ طَلْحَةَ وَأَصْحَابَهُ أَمَرَ مُنَادِيَهُ، فَنَادَى: أَنْ لَا يُقْتَلَ مُقْبِلٌ وَلَا مُدْبِرٌ، وَلَا يُفْتَحُ بَابٌ، وَلَا يُسْتَحَلُّ فَرْجٌ، وَلَا مَالٌ، انْتَهَى. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَمَرَ عَلِيٌّ مُنَادِيَهُ فَنَادَى يَوْمَ النُّصْرَةِ: لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُدَفَّفُ عَلَى جريج، وَلَا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ، أَوْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئًا، انْتَهَى. وَهَذَا الْأَخِيرُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي "مُصَنَّفِهِ - فِي أَوَاخِرِ الْقِصَاصِ" أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرٍ بِهِ، وَزَادَ: وَكَانَ عَلِيٌّ لَا يَأْخُذُ مَالًا لِمَقْتُولٍ، وَيَقُولُ: مَنْ اغْتَرَفَ شَيْئًا فَلْيَأْخُذْهُ، انْتَهَى. وَفِي "تَارِيخِ وَاسِطَ" لِبَحْشَلٍ 2: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَرَجِ بْنِ كُرْدِيٍّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنُ عَوَانَةَ ثَنَا أَبِي عن أبي محنف عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تَتْبَعُوا مُدْبِرًا، ولا تجهزوا على جريج، وَلَا تَقْتُلُوا أَسِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَالنِّسَاءَ، وَإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ بِالْجَرِيدَةِ، أَوْ الهراوة، فيغير بِهَا هُوَ، وَعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ، انْتَهَى.
وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ: رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي "الْمُسْتَدْرَكِ"3، وَالْبَزَّارُ فِي "مُسْنَدِهِ" مِنْ حَدِيثِ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " هَلْ تَدْرِي يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ كَيْفَ حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ بَغَى مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , قَالَ: لَا تُجْهِزُ عَلَى جَرِيحِهَا , وَلَا تَقْتُلُ أَسِيرَهَا،
__________
1 عند الحاكم في "قتال أهل البغي ص 152 - ج 2 - باب مناظرة ابن عباس مع الحرورية" عن يحيى بن سليم، وعبد الله بن واقد عن عبد الله بن خثيم عن عبد الله بن شداد، الحديث.
2 أسلم بن سهل الواسطي، وقد ألف - تاريخ واسط - ويلقب بحشلا، وقال أبو نعيم: كان من كبار الحفاظ العلماء من أهل واسط رحمه الله تعالى "اللسان" ص 388 - ج 1، قال: فإن حكم الله فيهم أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يدفف على جريحهم، انتهى.
3 في "المستدرك - في قتال أهل البغي" ص 155 - ج 2، ومتنه.

الصفحة 463