كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 4)

هَكَذَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ: إنِّي تَتَبَّعْته فِي كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ كُلِّ الرِّوَايَاتِ، فَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا هَكَذَا: نُهِيَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ، وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُ يَعْتَقِدُ مَا يَقُولُهُ الصَّحَابِيُّ مَرْفُوعًا، قُلْت: إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَ لَنَا رِوَايَتَهُ لَا رَأْيَهُ، وَلَعَلَّ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَرَى غَيْرَ مَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِيهِ فِعْلُهُ لَا قَوْلُهُ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ
قَوْلُهُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما: أَنَّهُمَا كَانَا يُضَمِّنَانِ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ،
قُلْت: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ1 مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يضمن الصباغ والصابغ، وَقَالَ: لَا يَصْلُحُ لِلنَّاسِ إلَّا ذَلِكَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَوَّلُ فِيهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ أَبِي جَعْفَرٍ، وَعَلِيٍّ، وَالثَّانِي يُضَعِّفُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَيَقُولُونَ: أَحَادِيثُ خِلَاسٍ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ كِتَابٍ، قَالَ: وَرَوَاهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ إذَا ضُمَّتْ هَذِهِ الْمَرَاسِيلُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قَوِيَتْ، انْتَهَى. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ2 أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، قَالَ: أَتَى شُرَيْحًا رَجُلٌ، وَأَنَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: دَفَعَ لِي هَذَا ثَوْبًا لِأَصْبُغَهُ، فَاحْتَرَقَ بَيْتِي، فَاحْتَرَقَ ثَوْبُهُ فِي بَيْتِي، قَالَ: ادْفَعْ إلَيْهِ ثَوْبَهُ، قَالَ: كَيْفَ أَدْفَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ، وَقَدْ احْتَرَقَ بَيْتِي؟! قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ احْتَرَقَ بَيْتَهُ أَكُنْت تَدَعُ لَهُ أَجْرَك؟ انْتَهَى. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ3 حَدَّثَنَا الحسن بْنُ إسْمَاعِيلَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن الجمحي عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ"، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: هَذَا إسْنَادٌ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ضَعَّفُوهُ، انْتَهَى. وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا، وَهُوَ مَذْهَبُنَا، الثَّالِثُ: يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِصُنْعِهِ، وَلَا يَضْمَنُ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
__________
1 ويقاربه ما في السنن للبيهقي في الإجارات باب ما جاء في تضمين الأجراء ص 122 ج 6.
2 ومثله في السنن للبيهقي باب ما جاء في تضمين الأجراء ص 122 ج 6 عن أبي العباس الأصم أنبأ الربيع بن سليمان عن الشافعي، الخ.
3 عند الدارقطني في البيوع 306 ج 2.

الصفحة 141