كتاب نصب الراية (اسم الجزء: 4)

أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الْآيَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، انْتَهَى. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهِ، وَرَأَيْت بَعْضَ مُصَنِّفِي زَمَانِنَا عَزَا هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبُخَارِيِّ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لِأَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ شَيْئًا، وَاسْمُهُ مُسْلِمٌ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، قُلْت: غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَوْلُهُ: وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، لَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَلَامِهِ، وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَثَرَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ، فَقَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ فِيهِ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، قَالَ: لِأَنَّ السَّلَمَ لَمَّا كَانَ بَيْعَ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ كَانَ بَيْعَ غَائِبٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَجَلٌ كَانَ هُوَ الْبَيْعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الشَّرْعُ السَّلَمَ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك، لِأَنَّهُ بَيْعٌ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّ صَاحِبَ رَأْسِ الْمَالِ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَشْتَرِيَ التَّمْرَ، وَصَاحِبُ التَّمْرِ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ لِيُنْفِقَهُ عَلَيْهِ، فَظَهَرَ أَنَّ صَفْقَةَ السَّلَمِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْحَاجِيَّةِ، وَقَدْ سَمَّاهُ الْفُقَهَاءُ: بَيْعَ الْمَحَاوِيجِ، فَإِذَا كَانَ حَالًّا بَطَلَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ، وَارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَائِدَةٌ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُرَكَّبٌ، فَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ، أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ1 عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعِ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك"، انْتَهَى. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجُوهُ أَيْضًا عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: "لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك"، وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فِي السَّلَمِ، فَأَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَسْتَلِفُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ
__________
1 عند الترمذي في البيوع باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عنده ص 159 ج 1، وعند أبي داود باب في الرجل يبيع ما ليس عنده ص 139 ج 2، وعند ابن ماجه باب النهي عن بيع ما ليس عندك ص 159، وعند النسائي في البيوع باب شرطان في بيع ص 226 ج 2.

الصفحة 45