كتاب نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان (اسم الجزء: 1)

وجه المخلوقين حتى الصلاة خير الأعمال قد يدخلها الرياء.
عَن أبي سعيد الخدريّ (رضي الله عنه) قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال" فقلنا: بلى يا رسول الله! فقال: "الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل" (1) .
وعن محمود بن لبيد (رضي الله عنه) خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "يا أيها الناس! إياكم وشرك السرائر" قالوا: يا رسول الله! وما شرك السرائر! قال: "يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر" (2) .
والجهاد والصدقة وقراءة القرآن قد يدخلها الرياء، فدل ذلك على خطره وفظاعته وشناعته، وإليك هذا الحديث لترى خوف الصحابة من الرياء وعلى ضوء ذلك ترى المعنى الجليل الذي يورثه الصيام لأصحابه وهو الإخلاص.
عن عقبة بن مسلم أن شُفَيّاً الأصبحيّ حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال مَن هذا؟ قالوا: أبو هريرة، قال: فدنوت منه، حتى قعدت بين يديه؛ وهو يحدث الناس، فلمَّا سكت وخلا، قلت له: أسألك بحقِّ وبحقِّ، لماَّ حدَّثتني حديثاً سمعته من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعَقِلْتَه وعَلِمْتَه، فقال أبو هريرة: أفعل، لأحدثنك حديثاً حدَّثنيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عقلته وعلمته، ثم نشغ (3) أبو هريرة نشغة فمكثنا قليلاً ثم أفاق، فقال: لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ثم أفاق، ومَسح عن وجهه فقال: أفعل، لأحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ثم مال خارّاً على وجهه فأسندته طويلاً ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ينزل على العباد ليقضي
__________
(1) حسن: رواه ابن ماجة، والبيهقي، وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/17) .
(2) صحيح: رواه ابن خزيمة في صحيحه، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/17) .
(3) أي شهق حتى كاد يغشى عليه أسفاً أو خوفاً.

الصفحة 16