كتاب نداء الريان في فقه الصوم وفضل رمضان (اسم الجزء: 2)
وقد أجاب النووي بجواب آخر حيث يقول: "وعلى فرض وجوبه فكان في ابتداء فرض عليهم من حين بلغهم، ولم يخاطبوا بما قبله، كأهل قباء في استقبال الكعبة، فإن استقبالها بلغهم في أثناء الصلاة، فاستداروا وهم فيها من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة، وأجزأتهم صلاتهم حيث لم يبلغهم الحكم إلا حينئذ، وإن كان الحكم باستقبال القبلة قد سبق في حق غيرهم قبل هذا" (1) .
2- استدل صاحب الهداية من الأحناف بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعدما شهد الأعرابي برؤية الهلال: "إلا من أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل فليصم" (2) .
وقد اختلط على المؤلف حديث الأعرابي هذا بحديث سلمة بن الأكوع (3) في صوم عاشوراء، إذ هذا اللفظ الذي ذكره صاحب الهداية لم يذكر في حديث الأعرابي، وحديث الأعرابي أخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة (4) ، وابن حبان (5) ، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم، عن ابن عباس أن أعرابياً جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ " قال: نعم. قال: "أتشهد أنَّ محمداً رسول الله؟ " قال: نعم. قال: "فأذّن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً" (6) .
فرؤية الأعرابي وإخباره للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كانت ليلاً، والأمر بصومه كان في الليل، كما هو واضح من قوله: "أن يصوموا غداً"، وقد استغرب ابن الهمام ما ذكره صاحب الهداية (7) .
__________
(1) "المجموع" (6/337) .
(2) "الهداية" (2/43) .
(3) سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع صحابي، كان شجاعاً رامياً عداء يسبق الخيل، من الذين بايعوا تحت الشجرة، له في الصحيحين (77) حديثاً، توفي بالمدينة سنة 47 هـ.
راجع: "تهذيب التهذيب" (4/150) ،"خلاصة تهذيب الكمال" (1/404) ، "الكاشف" (1/385) .
(4) هو محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي، إمام نيسابور في عصره، ولد وتوفي بنيسابور (223- 311 هـ) ، كان فقيهاً مجتهداً عالماً بالحديث، تزيد مؤلفاته على (140) مؤلفاً.
(5) هو محمد بن حبان التميمي أبو حاتم البستي، مؤرخ محدث، من مؤلفاته "المسند الجامع الصحيح" المعروف بصحيح ابن حبان، وفاته في سنة (354 هـ) .
را جع: "شذرات الذهب" (3/6) ، "طبقات الحفاظ" (ص 374) ، "الأعلام" (6/306) .
(6) "تلخيص الحبير" (2/187) .
(7) "فتح القدير" (2/43) .