كتاب نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وأراد أن يكافئه على صنيعه باختياره له على أهله ورفاقه وعشيرته، فأراد أن تكون الهدية مكافئة ومساوية لهذا الصنيع وهي أن تكون نفيسة مضنونا بها، وعقيلة من العقائل الأشراف، فاختار له ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب (زينب بنت جحش) لتكون زوجا له ...
لكنّ وقع هذا الاختيار كان شديدا وأليما على زينب العروس الشابة الحسناء وعلى أخيها عبد الله بن جحش الذي أثر في نفسه ذلك أبلغ التأثير إذ رأى كيف يتم ذلك بين شريفة عقيلة نسيبة ومملوك مثل زيد؟ هذا على الرغم من أن زيدا كان عربيا صميما من قبل أبيه، ومن جهة أمه أيضا، لكن هذه العربية المحصنة لم يفلح شافعها عند زينب وأخيها عبد الله من الجانب النفسي والوجداني.
بيد أن الله سبحانه وتعالى رأى شيئا غير ذلك الذي رأياه، فلما رأى كلاهما أن قدر الله تعالى وقضاؤه لا بد أن يتم بهذا التزويج لم يترددا لحظة واحدة ورضيا به فور سماعهما قوله تعالى:
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً «1» .
فإنه لا اختيار للمؤمن ولا للمؤمنة إلا بما يوافق قضاء الله تعالى، وإنه
__________
(1) الأحزاب (33/ 36) . قال الشيخ الصاوي: «ذكر اسم الله للتعظيم وللإشارة إلى أن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قضاء الله لكونه لا ينطق عن الهوى» أه. حاشية الصاوي على الجلالين (3/ 278) ويقول ابن كثير: «وهذه الاية عامة في جميع الأمور، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ولا رأي ولا قول. ابن كثير في المختصر (3/ 97) .

الصفحة 96