كتاب نتائج الفكر في النحو

فالأصل: " شكرت لزيد فعله "، ثم قد يحذف المفعول فتقول:
شكرت لزيد، ثم يحذف الحرف لأن " شكرت " متضمنة لحمدت أو مدحت، لأن من شكر فعلاً للرجل فقد حمده، أو مدحه.
وأما " كلت لزيد "، ووزنت له فمفعولها غير " زيد "، لأن مطلوبهما ما يكال أو بوزن فالأصل دخول اللام، ثم قد يحذف لزيادة فائدة، لأن كيل الطعام ووزنه يتضمن معنى المبايعة والمعاوضة إلا مع حرف اللام، فإن قلت:
كلت لزيد، أخبرت بكيل الطعام خاصة، وإذا قلت: " كلت زيداً " فقد أخبرت بمعاملة ومبايعة مع الكيل، كأنك قلت: بايعت زيداً بالكيل والوزن.
قال الله - سبحانه وتعالى -: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)
أي: بايعوهم كيلاً ووزناً.
وأما قوله: (اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ) ، فإنما دخلت " على " لتؤذن أن الكيل
على البائع للمشتري، ودخلت التاء في (اكتالوا) لأن افتعل في هذا الباب كله للأخذ، لأنها زيادة على الحروف الأصلية تؤذن بمعنى زاد على معنى الكلمة، لأن الأخذ للشيء كالمبتاع والمكتال والمشتري ونحو ذلك يدخل فعله من التناول والاحتراز إلى نفسه والاحتمال إلى رحله ما لا يدخل فعل المعطي والبائع، ولهذا قال سبحانه:
(لَهَا مَا كَسَبَتْ) يعني من الحسئات، (وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ، يعني من
السيئات، لأن الذنوب يوصل إليها بواسطة الشهوة والشيطان، والحسنة تنال بهبة من الله - تعالى - من غير واسطة شهوة ولا إغواء عدو، فهذا الفرق بينهما.
وأما قولهم: " سمع الله لمن حمده "، فمفعول (سمع) محذوف، لأن السمع
متعلق بالأقوال والأصوات دون ما عداها، فاللام على بابها، إلا أنها تؤذن بمعنى زائد وهو الاستجابة المقارنة للسمع، فاجتمع في الكلمة الإيجاز والدلالة على المعنى الزائد وهو الاستجابة لمن حمده.
وهذا مثل توله تعالى: (عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) .
ليست " اللام " لام المفعول - كما زعموا - ولا هي زائدة، ولكن ردف فعل متعمد ومفعولها غير هذا الاسم، كما كان مفعول " سمع " غير الاسم المجرور، ومعنى ردف: تبع وجاء على

الصفحة 272