كتاب نتائج الفكر في النحو

كُلُّ شيء يُحِبُّ ولَدَهُ ... حتى الحُبَارَى فتطير عنده
أي: إلى جنبه.
وهذه الألفاظ كلها ليس يخفي بأدنى نظر أنها مأخوذة من لفظ
الفعل فخلف من " خلفت "، و " قدام " من " تقدمت "، و " فوق "
من فقت ".
و" أمام " وأم من " أممت "، أي: قصدت.
وكذلك سائرها، إلا أنهم لم يستعملوا فعلاً من
" تحت "، ولكنها مصدر في الأصل أميت فعله.
وإذا كان الأمر فيها كلها كذلك، فقد صارت قبل وبعد في الزمان، وكعشي وقريب، وصار فيها كلها معنى الوصف.
فلذلك عمل الفعل بنفسه، كما يعمل فيما هو وصف للمصدر أو وصف للفاعل أو المفعول به، لأن الوصف هو الموصوف
في المعنى، فلا يعمل الفعل إلا في هذه الثلاثة أوما هو في معناها، لأنه لا يدل
بلفظه إلا عليها كما تقدم. فقد بانَ لك أنه لم يمتنع الإخبار عنها ولا دخول الجار عليها من جهة الإبهام، كما قالوه، لأنه لا فرق بينها وبين غير المبهم في انقطاع دلالة الفعل عنها، إذ لا يدل الفعل بلفظه على مبهمها ولا على محدودها ولا على حركة فلك، وإنما يدل بلفظه على مصدره وفاعله إذا كان الفاعل مطلقا، وعلى المفعول به كذلك.
فإن قيل: فأين لفظ الفعل في " ميل " و " فرسخ "؟
وأي معنى للوصف فيه والفعل قد تعدى إليه بغير حرف، وعمل فيه بلا واسطة؟.
قلنا: المراد بالميل والفرسخ تبيين مقدار المشي لا تبيين مقدار الأرض، فصار
الميل عبارة عن عدة خطا، فكأنك قلت: " سرت خطا عدتها كيت وكيت "، فلم يتعد

الصفحة 301