كتاب نتائج الفكر في النحو

وكذلك قوله تعالى: (لِسَانًا عَرَبِيًّا) .
فإن قيل: وما فائدة ذكر الاسم الجامد؟ وهلا اكتفى بصالح وعربي؟.
قلنا: في ذكر الاسم موصوفاً بالصفة، في هذا الموطن، دليل على لزوم هذه
الحال لصاحبها، وأنها مستمرة له، وليس كقولك: " جاء زيد صالحاً "، لأن " صالحاً " ليس فيه غير لفظ الفعل، والفعل غير دائم.
وفي قولك: " رجلاً صالحاً " لفظ رجل وهو دائم، فلذلك ذكر.
فإن قيل: فكيف يصح في قوله عز وجل: (لِسَانًا عَرَبِيًّا) أن يكون حالاً.
والحال تعطي التحول والانتقال إليها عن حالة أخرى.
وأنت لو قلت: جاء زيد قرشياً أوحبشياً "، لم يجز، لأنه لم يزل كذلك؟.
فالجواب: أن قوله عز وجل: (لِسَانًا عَرَبِيًّا) حال من الضمير في (مُصَدِّقٌ) .
لا من (كتاب) ، لأنه نكرة والعامل في الحال ما في (مُصَدِّقٌ) من معنى الفعل.
فصار المعنى: أنه مصدق لك في هذه الحال، والاسم - الذي هو صاحب الحال - قديم، وقد كان غير موصوف بهذه الصفة حين أنزل معناه لا لفظه على موسى وعيسى وداود عليهم السلام، وإنما كان عربيا حين أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - مصدقاً له ولما
بين يديه من الكتاب، فقد أوضحت فيه معنى الحال، وبرح الإشكال.
وأما قوله عز وجل: (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا) ، فقد حكوا أنها حال مؤكدة.
ومعنى الحال المؤكدة أن يكون معناها كمعنى الفعل، لأن التوكيد هو المؤكد في المعنى، وذلك نحو: " قم قائماً " و " مشيت ماشياً "، و " أما: زيد معروفاً "، هذه هى الحال المؤكدة في الحقيقة.
وأما (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا) فليسث بحال مؤكدة، لأنه قال: (مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) .
وتصديقه لما معهم ليس في معنى الحق، إذ ليس من شروط الحق أن يكون مصدقاً لفلان ولا مكذباً له، بل الحق في نفسه (حق) وإن لم يكن مصدقاْ لغيره. ولكن (مُصَدِّقًا) ههنا حال من الاسم المجرور من قوله تعالى:
(وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ) وقوله: (وَهُوَ الْحَقُّ) جملة في معنى الحال أيضاً، والمعنى: كيف تكفرون

الصفحة 305