كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 5)

أما النص: فقوله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} الآية.
ووجه الاستدلال به من وجهين:
أحدهما: ما تقدم من أنه قال "ولكم" وما قال "عليكم" وذلك يفيد أنه مندوب إليه إذ المباح لا يقع فيه "واللام" للاختصاص بجهة النفع والظاهر من جهة الشرع اعتبار النفع الأخروي لا الدنياوي.
وثانيهما: أنه وصف الأسوة بالحسنة وأدنى درجات الحسنة أن تكون مندوبة، فيجب التنزيل عليه، لئلا يلزم مخالفة الأصل من وجهين.
وجواب الوجه الأول: من الاستدلال أنا لا نسلم أن قوله "لكم" يدل على ندبيته، وهذا لأنه ليس في "اللام" إلا الدلالة على الاختصاص بجهة النفع، وهذا لا يدل على الندبية، بل على القدر المشترك بين المندوب والواجب، ضرورة حصول هذا المفهوم فيهما، والدال على القدر المشترك بين الصورتين لا دلالة عليهما، بل غايته أنه لا يدل على الوجوب ولا يلزم منه دلالته على الندبية.
فإن قلت: كون اللام للاختصاص بجهة النفع ينفي أن يكون المراد منه الوجوب، لأنه لا يتمحص جهة النفع في الوجوب ضرورة استحقاق العقاب على الترك فيه بخلاف المندوب فإنه تتمحص جهة النفع فيه من غير احتمال عقاب وضرر فيه فعلًا وتركًا.
قلت: ليس من شرط الاستعمال "اللام" في فعل أن لا يكون في ذلك الفعل ضرر بوجه "ما" لا في الفعل ولا في الترك، وإلا لامتنع استعماله في

الصفحة 2148