كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 7)

المصلحة المظنونة، أو دفع المفسدة المظنونة، بل الرواية أولى بالقبول من الفتوى والشهادة.
أما من الفتوى: فلأن كل ما يفرض من الاحتمالات الموجبة لعدم قبول خبر الواحد نحو كذب الراوي عمدا أو خطأ، وغلطه وعدم ضبطه، فهو بعينه حاصل في المفتى مع احتمالات أخر موجبة لعدم قبول الفتوى، نحو احتمال جهله بالأمور التي يتوقف عليها معرفة كيفية الاستدلال، وغلطه في وجه الاستدلال، فإن العارف بشرائط الاجتهاد قد يعرض له الغلط، ولا شك أن احتمال الخطأ في الفتوى بسبب الأمور التي يمتاز بها عن الرواية أكثر؛ لأنها صعبة الحصول يغلط فيها الأكثرون، فإذا كانت الفتوى مقبولة من الواحد مع تطرق الخطأ إليه من وجوه عديدة فبأن تكون الرواية مقبولة مع أن تطرق الخطأ إليها أقل أولى.
وأما من الشهادة؛ فلأن الشهادة لكونها تتضمن إثبات الحق على معين يحتاط فيها ما لا يحتاط في الرواية على تقدير القبول؛ لأن الاختلاف في الحكمة يدل على الاختلاف في الحكم، وذلك يدل على أن الشهادة أضيق بابا من الرواية، فإذا قبل فيها خبر من لا يفيد خبره العلم، فبأن يقبل في الرواية خبر من لا يفيد خبره العلم أولى وأحرى.
فإن قلت الفرق بين الفتوى والشهادة، ورواية الواحد من وجهين:
أحدهما: أن العمل بالفتوى والشهادة ضروري؛ لأنه لا يمكن تكليف كل واحد من المكلفين بتحصيل رتبة الاجتهاد؛ لأنه يؤدي إلى اختلال نظام العالم ولا طريق إلى تمييز المحق عن المبطل إلا بالشهادة؛ إذ التنصيص فيه من الشارع ممتنع، فيتعين أن يكون بالشهادة، ويتعذر أو يتعسر إشهاد الجمع الكثير الذين يفيد

الصفحة 2856