كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

بطلانه في التحسين والتقبيح، بل هو غيره، وهذا لأن الذي يقوله المعتزلة: هو أن الشيء إنما يحسن أو يقبح لاشتماله على وصف حقيقي، قبل ورود الشرع يوجب كونه كذلك، ولولاه لما ورد الشرع بحسن شيء وقبحه وإلا لكان ذلك ترجيحا من غير مرجح.
فالحاصل أن الذي يقوله المعتزلة: إن الوصف الحقيقي الموجب للحكم حاصل قبل الشرع في محل الحكم وإنه لذاته يوجب الحكم لا بجعل الشارع، لكن العقل قد يستقل بمعرفته تارة فيجب العمل بمقتضاه، وإن لم يرد الشرع به، وتارة لا يستقل بمعرفته فيتوقف وجوب العمل بمقتضاه على ورود الشرع به، وهو بعرفنا اشتماله على ذلك الوصف.
والشيخ الغزالي لا يقول: بشيء من ذلك، بل لو قال بأن الوصف الحقيقي مؤثر في الحكم.
فإنما يقول: إنه إنما يؤثر بجعل الشارع لا لذاته، وأنه ما كان مقتضيا للحكم قبله، وأنه لا يمكن أن يستقل العقل بمعرفته اقتضائه الحكم، فلا يلزم من بطلان ما قالوه: بطلان ما قاله.
سلمنا: أن القول بكون الوصف الحقيقي موجب للحكم باطل على الإطلاق، لكن لا نسلم أن الصادر من الشارع عند الجعل إذا كان غير الحكم وغير الوصف الحقيقي الذي يوجبه كان الصادر منه أمرا أجنبيا لا تعلق له بالحكم، ولم لا يجوز أن يكون الصادر منه المؤثرية؟ وهي ليست نفس الحكم ونفس الوصف الحقيقي ولها تعلق بالحكم.

الصفحة 674