كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

ولذلك يقال: إنه يمنع من فعله فهو متقدم عليه وإلا لم يكن مانعًا له وهذا أيضًا ضعيف.
فإن لقائل أن يقول: ما ذكرتم يقتضي أن لا تكون الكذبية صفة له، لأن كونه كذبًا يمنع من الإقدام عليه وفاقا، وإن كان مأخذه مخلفًا، ولذلك / (110/أ) يقال كونه كذبًا يمنع من فعله وعلة المنع من الفعل متقدم على المنع منه فيكون متقدمًا على الفعل فيلزم كونه كذبًا متقدمًا على الخبر الكاذب.
وهو محال لاستحالة تقدم الصفة على الموصوف وأيضًا فإنا لا نسلم تقدم قبح الخبر الكذب عليه، وكيف يكون متقدمًا عليه وهو صفته؟ بل المتقدم هو الحكم بالقبح على ما يوجد من الخبر الكاذب، وذلك الحكم هو المانع منه لا القبح.
وسابعها: أن الأفعال بأسرها متساوية بالنسبة إلى الله تعالى، فالحكم على بعضها بأنه حسن: يوجب الثواب، أو قبيح: يوجب العقاب، ترجيح للبعض على البعض من غير مرجح. وهو باطل.
بيان الأول: إنها لو لم تكن كذلك، بل يكون البعض راجحًا على البعض في إيجاب الثواب أو العقاب، وذلك وإن كان لقيام صفة حقيقية قائمة به عند الخصم، لكنها إنما تقتضي الحسن والقبح لتضمنها المصلحة أو المفسدة، ألا ترى أن القتل ابتداء من غير تقدم جناية توجيه قبيح عند الخصم لاشتماله على المفسدة، ثم إنه يصير حسنًا بعدها لاشتماله على المصلحة، مع أن الصفة الحقيقية الذاتية للقتل لم تختلف، وإذا كان كذلك فذلك الرجحان، إما لمصلحة تعود إلى الله، أو إلى العبد.
والأول: باطل وفاقًا، لتنزهه عن الأغراض العائدة إليه.

الصفحة 720