كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

وبعضهم حاول الاستدلال، وذكر وجوهًا فيه:
أحدها: لو لم يكن التحسين والتقبيح عقليين، لزم ترجح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح، واللازم باطل، فالملزوم مثله.
بيان الملازمة: إن الفعل الذي اختص بالوجوب مثلاً، لو لم يكن مشتملاً على ما لأجله اختص به لكان اختصاصه بذلك دون سائر الأفعال، أو دون سائر الأحكام ترجيحًا لأحد الجائزين على الآخر من غير مرجح.
وثانيها: إنا نعلم بالضرورة، أن العاقل يختار الصدق على الكذب عندما يتساويان في تحصيل جميع المقاصد والأغراض المتعلقة / (111/ب) بهما غير كونه صدقًا وكذبًا، مع قطع النظر عن عرف أو شريعة أو غيرهما وليس ذلك إلا لحسنه.
وثالثها: لو لم يكن التحسين والتقبيح عقليين لحسن من الله كل شيء، ولو حسن منه كل شيء لحسن منه إظهار المعجزة على يد الكاذب، ولو حسن ذلك منه لجاز أن يقع منه، وحينئذ يقع التباس النبي بالمتنبي فلا يمكن التمييز [بينهما، إذ التمييز] ليس إلا بالمعجزة، ولحسن منه الكذب أيضًا وحينئذ لم يبق الوثوق على شيء من أخباره نحو الوعد والوعيد وغيرها، ولحسن منه الأمر بالكفران والطغيان، والنهي عن الإيمان والإحسان، ولكان الوجوب متوقفًا على السمع وحينئذ يلزم إفحام الأنبياء - على ما ستعرف ذلك في المسألة الآتية - واللوازم كلها ممتنعة،

الصفحة 726