كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

وللفاعل المختار أن يرجح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجح عندنا، كما نقول: في تخصيص اتحاد العالم بوقت معين دون سائر الأوقات مع صلاحية الإيجاد فيها.
سلمنا: ذلك لكن نقول: ترجيح أحد الجائزين على الآخر من غير مرجح، إن كان جائزًا فقد سقط الدليل بالكلية، وإن لم يجز فقد لزم الحيز حينئذ، لأن رجحان فاعلية العبد، على تاركيته، يتوقف على مرجح يجب الفعل عنده على ما تقدم تقريره، وحينئذ يلزم بطلان التحسين والتقبيح العقليين على ما ذكرناه.
وعن الثالث: فقد أجاب عنه بعضهم: بأن التفاوت بين الصدق والكذب إن كان حاصلاً ولو بوجه، فقد بطل الاستدلال وإلا فيمتنع الإتيان بأحدهما دون الآخر.
وهذا ضعيف، لأنه إن أراد بحصول التفاوت بينهما التفاوت في غير الصدق والكذب لم يلزم من عدم حصوله امتناع الإتيان بأخدهما دون الآخر، وإن أراد به حصول التفاوت بينهما أعم من كونه تفاوتًا في الصدق والكذب، أو في غيرهما لم يلزم من حصوله بطلان الاستدلال.
فإن الخصم: إنما فرض التساوي فيما وراء كونه صدقًا أو كذبًا، فإن كونه صدقًا جهة الرجحان وفاقا، أما عندنا فللإلف العام، وأما عند الخصم فلذاته بل جوابه: أن العاقل إنما يختار الصدق على الكذب للإلف العام، وسببه أن نظام العالم لا يحصل إلا بالصدق، إذ لولاه لم يبق الوثوق على شيء من

الصفحة 729