كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

فإن قلت: لا نسلم أنه تعالى قادر على منعهم، وهذا لأن مقدور العبد غير مقدور الله تعالى عندنا، والكف عنها مقدور له فلا يكون مقدورا لله تعالى وأنه تعالى علم وقوعها منه ومنعهم منها يقتضي عدم وقوعها وذلك يفضي إلى انقلاب علم لله تعالى جهلا. وهو محال، وما أفضى إلى المحال فهو محال فمنعهم عنها محال، والمحال غير مقدور له.
سلمنا: القدرة على المنع لكن إنما لم يمنعهم قهرا ليحترزوا باختيارهم فيستحقوا الثواب.
قلت: الدليل على أنه تعالى قادر على منعهم عنها هو أنه تعالى قادر على إيجاد كل الموجودات، فيكون قادرا على تركه، لأن القادر على الشيء لابد وأن يكون قادرا على ضده، ويلزم من هذا أن لا يكون العبد قادرا على شيء منها، ولا يلزم حصول مقدوريين قادرين. وهو باطل وفاقا.
بيننا وبين المعترض: أما عندنا فلا انتفاء القادر من المؤثرين في الإيجاد وأما عند الخصم فلأنه لا يجوز ذلك.
بيان الأول: أنه لا نزاع في أنه تعالى قادر على إيجاد الجواهر والأجسام وبعض الأعراض التي هي غير مقدور للعبد، ويلزم منه أن يكون قادرا على الكل، لأن الواقع بقدرته في تلك الصور عند الخصم ليس هو الماهية الثابتة في العدم ولا الصفات اللازمة لها، كالمشيئة والمعية، ولا الصفات التابعة للحدوث، كالقيام بالنفس والتحيز والحجمية، فإنها ليست من آثار القدرة عنده، بل إما الوجود أو اتصاف الماهية به وكل واحد منهما معنى واحد غير مختلف في الموجودات ولذلك لا يختلف بعقله عند تعقل الموجودات المختلفة، ومن الظاهر أن جهة الصلاحية في القدرة الواحدة بالنسبة إلى المقدور الواجد غير مختلف أيضا، والإمكان المصحح للمقدورية، إما بمعنى السببية أو

الصفحة 731