كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

لا يقال: لا نسلم أن جلب النفع غير واجب عقلاً، إذ المنافع مختلفة فيه، ولا نسلم إن الله تعالى قادر على إيصال تلك المنفعة بدون توسط الشكر، وهذا لأنه يجوز أن تكون تلك المنفعة هي نفس كونه شكرًا، لأن وجوب الشيء لا يستدعي أن يكون لشيء آخر، وإلا لزم التسلسل. وهو محال فلابد من الانتهاء إلى ما يكون واجبًا لذاته، كما في دفع المضار عن النفس، وإذا كان كذلك فيستحيل حصول تلك المنفعة بدون الشكر فلا يكون مقدورًا لله تعالى، لأن المحال غير مقدور عليه وفاقًا.
لأنا نقول: الدليل على أن جلب النفع غير واجب عقلاً، هو: أن العاقل لو تركه، فإنه لا يفضي العقل باستحقاق العقاب أو الذم على تركه، وما يكون كذلك لا يكون واجبًا.
نعم: قد يذم على ترك ما لابد له منه في معيشته، لكن على هذا التقدير يرجع حاصله إلى القسم الثاني، وهو دفع المضرة عن النفس وهو غير ما نحن فيه.
ولئن سلمنا: أنه يذم على ترك جلب النفع مطلقًا، لكن فيما لا يلحقه في اكتسابه مشقة، أم مطلقًا سواء كان في اكتسابه مشقة أو لا يكون.
والأول: مسلم.
والثاني: ممنوع ما نحن فيه ليس من قبيل القسم الأول: بل هو من قبيل القسم الثاني، لأن من الظاهر أن حمل النفس على تجنب المستقبحات العقلية التي تميل النفس إليها، وحملها على فعل المستحسنات العقلية التي تميل النفس إلى تركها مشقة وكلفة.
وأما الجواب الثاني: فهو أن تقول: لا يجوز أن يجب الشكر لنفس كونه شكر، لأن العلة الغائبة لوجوب الفعل، هي: الحكمة التي تحصل بفعله لا

الصفحة 742