كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

الشاهد، وهذا على أبي هاشم وأتباعه ألزم، لأن التصرف في ملك الغير بغير الإذن قبيح لعينه عنده، وإن إفراد النوع الواحد لا يختلف في الحسن والقبح عنده.
وثانيها: أن الشكر من الشاكر نوع من المجازات، وقد يقبح في الشاهد مجازاة العبد سيده على نعمة لاسيما إذا كانت النعم في غاية الكثرة والجلالة، والجزاء في نهاية الحقارة والخساسة وإذا قبح هذا في الشاهد فلأن يقبح في الغائب بطريق الأولى، لأن المناسبة بين شكر العبد ومجازاته وبين نعم سيده أتم مما بين شكرنا وما بين نعم الله تعالى.
وثالثها: أن النعم إذا كانت حقيرة / (115/ب) قبح الشكر عليها لاسيما إذا كان المنعم في غاية النعمة ونهاية القدرة على الإنعام والإحسان، ألا ترى أن الملك العظيم، إذا أنعم على الفقير بتمرة أو لقمة، ثم أخذ الفقير يشكره على ذلك في محافل الكبراء، ومجامع العظماء، فإنه يعد مستهزئًا بذلك الملك لا محالة، ويستحق التأديب على ذلك، وكل ما أنعم الله تعالى به على المكلف، من النعم الدنيوية فهو بالقياس إلى خزائن الله تعالى أقل من تلك التمرة واللقمة بالنسبة إلى خزائن ذلك الملك، لن نسبة المتناهي إلى غير المتناهي أقل من نسبة المتناهي إلى المتناهي، مقتضي هذا الدليل والذي قبله أن يقبح الشكر بعد ورود الشرع أيضًا، لكن لما ورد الإذن بذلك اندفع ما ذكرتم من الاحتمالين.
ورابعها: أن العبد ربما لا يأتي بالشكر اللائق فيستحق التأديب على ذلك وهو غير آت بعد ورود الشرع، لأن الشارع بين ما هو اللائق من الشكر.

الصفحة 745