كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

الأصل لوجب نفي وجوبه عقلاً وشرعًا، وقد ثبت ذلك بما ذكرنا، وما ذكرتم من إتيانه بعد ورود الشرع، ولا يلزمنا الجواب عنه، لأن ذلك الأصل باطل عندنا، والإشكال إنما هو لازم على تقدير صحة الأصل [بل] هو لازم عليك لا غير.
الدليل الرابع: في المسألة: إن الإنسان ضعيف حقير قليل المقدار لا يعلم كنه عظمة الله تعالى وكبريائه، كما قال الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره} ولا يعلم نعمه التي أنعم بها عليه، كما قال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}. ومن كان كذلك قبح منه الشكر لخسة قدره، ولعدم إتيانه بالشكر اللائق، ولمحاولته المجازاة لمنعمه الذي نعمه عليه لا تجازى ولا تكافأ لكثرتها وتجاوزها عن حد الإحصاء، ألا ترى أن أحدًا من الأخساء "إذا تصدى" لشكر نعم الملك العظيم الذي عم نواله سائر البرية وإحسانه جميع البشرية، فإنه يعد ذلك نقصًا في حقه ويحسن أن يقال له: من أنت حتى تشكر نعمه، وإنما يصلح لذلك الكبراء والعظماء، الذين يعرفون قدر النعم ومقدار المنعم، ويقدرون على إتيان الشكر اللائق، أما أنت الضعيف الحقير الغير العارف لقدر النعم فلا.
فإن قيل: ما ذكرتم من الدليل على نفي وجوب الشكر في مقابلة ما تكرر في بداية العقول من وجوبه فلا يكون مقبولاً، وهذا لأن النظريات فرع البديهيات، والقدح في الأصل يوجب القدح في الفرع، فلو كانت النظريات مقبولة / (116/ب) في مقابلة البديهيات لكانت مردودة أيضًا لكونها مقدوحة

الصفحة 748