كتاب نهاية الوصول في دراية الأصول (اسم الجزء: 2)

والجواب مشترك وليس لأحد أن يقول: أن وجوبه ضروري ويلتزم ذلك لدفع المحذور المذكور، لأنه ظاهر الفساد، لأن وجوبه يتوقف على كون النظر يفيد العلم وخلاف منكريه فيه مشهور، وبتقدير كونه يفيده في الجملة فهو غير كاف بل لابد وأن يفيده في الأمور الإلهية، وخلاف جمهور الحكماء / (117/أ) فيه أيضًا مشهور.
وإنما قلنا: ذلك، لأن بتقدير أن لا يفيده فيها لا يكون واجبًا لعدم حصول المطلوب منه، وهذا لأن وجوبه ليس بعينه بل لتحصيل المعارف الإلهية والظن غير كاف فيها، بل العلم، فإذا لم يفده لم يجب وبتقدير كونه يفيده فيها أيضًا فإنما يجب على التعيين إن لو كان متعينًا لذلك وهو ممنوع، وهذا لأن له طريقًا آخر عندنا كتصفية الباطن والإلهام، فعلى هذا التقدير لا يكون واجبًا على التعيين، فإذا كان العلم بوجوب النظر يتوقف على هذه المقدمات التي لا تكاد تثبت إلا بالنظر الدقيق كان العلم بوجوبه نظريًا، لأن الموقوف على النظري أولى أن يكون نظريًا.
فظهر بما ذكرنا أن القول بأن وجوبه ضروري ظاهر الفساد.
فإن قلت: إنا نسلم أن وجوبه نظري، لكن الإفحام المذكور غير لازم علينا على هذا التقدير أيضًا، وهذا لأن المكلف الذي لا يأتي بالنظر إلا بعد وجوبه عليه ربما أتي بالنظر قبل الشرع فيكون قد عرف وجوبه قبله، فليس له أن يقول: بعد الدعوة لا أنظر ما لم يثبت وجوبه على، إذ قد يثبت وجوبه عليه، بخلاف ما إذا كان وجوبه شرعيًا، فإنه لا طريق إلى معرفة وجوبه إلا بالشرع فيكون الإفحام لازمًا لا محالة.
قلت: هب أنه لا يلزم الإفحام المذكور فيما ذكرتم من الصور، لكن لا شك في لزومه فيما إذا لم يأت المكلف به قبل الشرع فلا تقوم حجتهم عليه

الصفحة 751