كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن
وافينا إلى نهر فصحت بالفرس فوثبتها وصاح الفارس بفرسه فلم تثب فلما رأيت عجزها عن العبور نزلت عن فرسي أستريح وأريحها فصاح بي الرجل فقلت مالك فقال يا هذا أنا صاحب الفرس التي تحتك وهذه بنتها فإذا قد أخذتها فاحفظها فإني والله ما طلبت عليها شيئاً قد إلا أدركته وكانت كالشبكة في التعلق بها فقلت له أما إذا نصحتني فوالله لأنصحنّك ولست بكذاب إنه كان من أمري البارحة كيت وكيت حتى قصصت عليه قصة المرأة والعبد وحيلتي في الفرس فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إلي فقال لا جزاك الله من طارق خيراً فأخذت فرسي وقتلت عبدي وطلقت زوجتي.
حكاية: قيل إن قيصر ملك الشام والروم أرسل رسولاً إلى ملك فارس كسرى أنوشروان صاحب الإيوان فلما وصل ورأى عظمة الإيوان وعظمة مجلس كسرى على كرسيه والمولك في خدمته ميز الإيوان فرأى في بعض جوانبه اعوجاجاً فسأل الترجمان عن ذلك فقيل له ذلك بيت لعجوز كرهت بيعه عند عمارة الإيوان فلم ير الملك اكراهها على البيع
فأبقى بيتها في جانب الإيوان فذلك ما رأيت وسألت قال الرومي وحق دينه إن هذا الاعوجاج أحسن من الاستقامة وحق دينه إن هذا الذي فعله ملك الزمان لم يؤرخ فيما مضى لملك فأعجب كسرى كلامه فأنعم عليه ورده مسروراً محبوراً.
حكاية: عن يعقوب بن اسحق السراج قال قال لي رجل من أهل رومية ركبت بحر الزنج فألقتني الريح في جزيرة العور فوصلت إلى مدينة أهلها قامتهم كلها ذراع وأكثرهم عور فاجتمع علي منهم جمع وساقوني إلى ملكهم فأمر بحبسي في قفص فكسرته فأمنوني وتركوا الاحتجار علي فلما كان في بعض الأيام رأيتهم قد استعدوا للقتال فسألتهم عن ذلك فقالوا لنا عدوّ يأتينا في كل سنة ويحاربنا وهذا أوانه فلم ألبث إلا قليلاً حتى طلع علينا عصابة من الطيور الغرانيق وكان ما بهم من العور من نقر الغرانيق فحملت الطيور عليهم وصاحت بهم فلما رأيت ذلك شددت وسطي وأخذت عصا وشددت بها عليها وحملت فيها وصحت صيحة منكرة ورميت منهم جماعة فصاحوا وطاروا هاربين مني فلما رأى أهل الجزيرة ذلك أكرموني وأعظموني وأفادوني مالاً وسألوني الإقامة عندهم فلم أفعل فحملوني في مركب وجهزوني وذكر رسطاطاليس أن الغرانيق ينتقل من بلاد خراسان إلى بلاد مصر حيث مسيل النيل فتقاتل أولئك العور في طريقهم
الصفحة 18
224