كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن
الطبل فتحركت المياه وجرى المركب وأنا أنظر إليهم حتى غاب المركب عن بصري فجعلت أطوف تلك الجزيرة وإذ أنا بشجرة عظيمة وعليها شبه سطح فلما كان الليل وإذا بهدة عظيمة فنظرت فإذا طائر ضخم في الخلقة قد سقط على ذلك السطح الذي في الشجرة فاختفيت خوفاً منه فلما كان الفجر انتفض الطائر بجناحيه وطار فلما كان الليل جاء أيضاً وحط على مكانه البارحة فدنوت منه فلم يتعرض لي بسوء ولا التفت إلي أصلاً وطار عند الصباح فلما كان ثالث ليلة وجاء الطائر على عادته وقعد مكانه فجئت حتى قعدت عنده من غير خوف ولا دهشة إلى أن نفض جناحيه فتعلقت بإحدى رجليه بكلتا يدي فطار بي إلى أن ارتفع النهار فنظرت إلى تحت فلم أر إلا لجة ماء البحر فكدت أن أترك رجله وأرمي بنفسي من شدة ما لقيت من التعب فصبرت زماناً ثم نظرت وإذا بالقرى والعمائر تحتي ففرحت وذهب ما كان بي من الشدة فلما دنا الطائر من الأرض رميت بنفسي على صبرة تبن في بيدر وطار الطائر فاجتمع الناس حولي وتعجبوا مني وحملوني إلى رئيسهم وحضر إلي من يفهم كلامي فأخبرتهم بقصتي فتبركوا بي وأكرموني وأمر لي بمال وأقمت عندهم أياماً فخرجت يوماً لأتفرج وإذا
أنا بالمركب الذي كنت فيه قد أرسى فلما رأوني أسرعوا إلي وسألوني عن أمري فأخبرتهم فحملوني إلى أهلي ونلت منهم فوق الشرط فعدت بخير وغنى وسلامة.
حكاية: قيل إن ملك الصين بلغه عن نقاش ماهر في النقش والتصوير في بلاد الروم فأرسل إليه وأشخصه وأمره بعمل شيء مما يقدر عليه من النقش والتصوير ليعلقه بباب القصر على العادة فنقش له في رقعة صورة سنبلة حنطة خضراء قائمة وعليها عصفور وأتقن نقشه وهيئته حتى إذا نظره أحد لا يشك في أنه عصفور على سنبلة خضراء ولا ينكر شيئاً من ذلك غير النطق والحركة، فأعجب الملك ذلك وأمره بتعليقه وبادر بإدرار الرزق عليه إلى انقضاء مدة التعليق فمضت سنة إلا بعض أيام ولم يقدر أحد على إظهار عيب أو خلل فيه، فحضر شيخ مسنّ ونظر إلى التمثال وقال هذا فيه عيب فأحضر إلى الملك وأحضر النقاش والتمثال، وقال ما الذي فيه من العيب؟ فأخرج عما وقعت فيه بوجه ظاهر ودليل وإلاّ حل بك الندم والتنكيل، فقال الشيخ أسعد الله الملك وألهمه السداد مثال أيّ شيء هذا الموضوع؟ فقال الملك مثال سنبلة من حنطة قائمة على ساقها وفوقها عصفور، فقال الشيخ
الصفحة 21
224