كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن

وقد أخطأ من قال:
إن النساء رياحين خلقن لكم ... وكلكم يشتهي شم الرياحين
حكاية: قيل لما استوزر المنصور الربيع بن يونس وكان ذا عقل وأدب جعل الربيع لا يسأله حاجة أبداً، فاستظرف المنصور ذلك فأحضره يوماً وقال يا ربيع تنقبض عن مثلي بحوائجك، فقال يا أمير المؤمنين ما تركت ذلك أني وجدت لها موضعاً غيرك ولكنني ملت إلى التخفيف فقال له اعرض عليّ ما تحب، فقال له يا أمير المؤمنين حاجتي أن تحب ابني الفضل، فقال له ويحك إن المحبة لا تقع ابتداء ولكن تقع بأسباب، فقال أوجدك الله السبيل إليها. قال وما ذاك؟ قال تنعم عليه فإذا أنعمت عليه أحبك فإذا أحبك أحببته. قال فتبسم المنصور وقال له ويحك لقد حببته إليه قبل أن يقع من هذا شيء بل أخبرني كيف اخترت المحبة دون غيرها؟ فقال يا أمير المؤمنين لأنك إذا أحببته كبر عندك صغير إحسانه وصغر عندك كبير إساءته وكانت حاجته لديك مقضية وذنوبه لديك مغفورة.
حكاية: رأيت في بعض التواريخ أن بعض الأعراب في البادية أصابته حمى في أيام القيظ
فأتى الأبطح وقت الظهيرة فتعرى في شديد الحرّ وطلى بدنه بزيت وجعل يتقلب في الشمس على الحصى، وقال سوف تعلمين يا حمى ما نزل بك وبمن ابتليت عدلت عن الأمراء وأهل الثراء ونزلت بي وما زال يتمرغ حتى عرق وذهبت حماه وقام وسمع في اليوم الثاني قائلاً قد حمّ الأمير بالمس، فقال الأعرابي أنا والله بعثتها إليه، ثم ولى هارباً.
حكاية: قيل إن بعض العلماء تخاصم مع زوجته فعوم على طلاقها، فقالت له اذكر طول الصحبة، فقال والله مالك عندي ذنب سوى ذلك.
حكاية: قيل إن امرأة كانت في المدينة شديدة الإصابة بالعين لا تنظر إلى شيء إلا دمرته فدخلت على أشعب تعوده وهو محتضر يكلم ابنته بصوت ضعيف ويقول يا ابنتي إذا مت فلا تنوحي عليّ وتندبيني والناس يسمعونك تقولين واأبتاه أندبك للصلاة والصيام والفقه والقرآن فيكذبونك ويلعنوني والتفت أشعب فرأى المرأة فغطى وجهه بكمه، فقال لها يا فلانة سألتك بالله إن كنت قد استحسنت شيئاً مما أنا فيه فصلي على النبي وآله، فقالت سخنت عينك وفي أيّ شيء أنت حتى أستحسنه إنما أنت في آخر رمق، فقال أشعب قد علمت ذلك ولكن قلت لئلا تكوني قد استحسنت خفة الموت عليّ وسهولة النزع فيشتد ما أنا فيه

الصفحة 24