كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن

يقول عنك للناس إن أمير المؤمنين أبخر، فلما أتى البدوي طلبه المعتصم، فلما قرب منه جعل كمه على فمه مخافة أن يشم الأمير منه رائحة الثوم فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال إن الذي قاله الوزير عن البدوي صحيح فكتب المعتصم كتاباً إلى بعض عماله يقول إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله، ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب وقال له امض به إلى فلان وجيء سريعاً بالجواب فامتثل البدوي ما رسم به المعتصم وأخذ الكتاب وخرج به من عنده بينما هو بالباب إذ لقيه الوزير، فقال له أين تريد؟ قال أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه إن هذا البدوي ينال من التقليد مالاً جزيلاً، فقال له ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك ويعطيك ألفي دينار؟ فقال له أنت الكبير وأنت الحاكم ومهما رأيته من الرأي افعل، فقال هات الكتاب فدفعه إليه وأعطاه الوزير ألفي دينار فركب الوزير وصار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده، فلما قرأ
العامل الكتاب أمر بضرب عنقه وبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي وسأل عن الوزير فأخبر بأن له أياماً ما ظهر وأن البدوي بالمدينة مقيم، فتعجب المعتصم من ذلك وأمر بإحضار البدوي وسأله عن حاله فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها، فقال أنت قلت عني أني أبخر؟ فقال معاذ الله يا أمير المؤمنين كيف أتحدث بما ليسلي به علم؟ وإنما كان ذلك مكراً منه وخديعة وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه، فقال المعتصم قاتل الله الحسد بدأ بصاحبه فقتله، ثم خلع على البدوي واتخذه مكانه وزيراً وراح الوزير بحسده.
حكاية: قيل كان بالمدينة قينة من أحسن الناس وجهاً وأكملهم عقلاً وأكثرهم أدباً قد قرأت القرآن وروت الأشعار وتعلمت العربية فوقعت عند يزيد بن عبد الملك بمنزلة فأخذت بمجامع قلبه، فقال لها ذات يوم أمالك قرابة أو أحد تحبين أن أضيفه أو أسدي إليه معروفاً؟ فقالت يا أمير المؤمنين أما قرابة فلا ولكن بالمدينة ثلاثة نفر كانوا أصدقاء لمولاي وأحب أن ينالهم من خير ما صرت إليه فكتب إلى عامله بالمدينة في إحضارهم إليه، وأن يدفع إلى كل واحد منهم عشرة آلاف درهم. فلما وصولا إلى باب يزيد بن عبد الملك استؤذن لهم فدخلوا عليه فأكرمهم غاية الإكرام وسألهم عن حوائجهم، فأما اثنان فذكرا حوائجهم فقضاها

الصفحة 27