كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن

وأما الثالث فسأله عن حاجته؟ فقال يا أمير المؤمنين مالي حاجة فقال ويحك ولم؟ ألست أقدر على ما تطلب؟ قال بلى يا أمير المؤمنين ولكن حاجتي ما أظنك تقضيها فقال ويحك سلني فإنك لا تطلب حاجة إلا قضيتها. قال ولي الأمان يا أمير المؤمنين قال نعم ولك الأمان فقال إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تامر جاريتك فلانة التي أكرمتنا من اجلها أن تغني لي ثلاث مرات أشرب عليها ثلاثة أرطال فافعل قال فتغير وجه يزيد وقام من مجلسه ودخل على الجارية وأعلمها فقالت وما عليك يا أمير المؤمنين فأمر بإحضار الفتى على كرسي ثالث ثم دعا بصنوف الرياحين والطيب فوضعت ثم أمر بثلاثة أرطال فملئت ثم قال للفتى سل حاجتك فقال تامرها يا أمير المؤمنين أن تغني فغنت:
لا أستطيع سلوّاً عن مودتها ... ولو يصنع الحب بي فوق الذي صنعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيسعدني ... حتى إذا قلت هذا صادق فزعا
ثم شرب يزيد وشرب الفتى وشربت الجارية وقال للفتى سل حاجتك فقال يا أمير المؤمنين
تأمرها أن تغني فغنت:
مني الوصال ومنكم الهجر ... حتى يفرق بيننا الدهر
والله لا أسلوكم أبداً ... ما لاح بدر أو أضا فجر
ثم شرب يزيد وشرب الفتى وشربت الجارية وقال للفتى سل حاجتك فقال يا أمير المؤمنين تأمرها أن تغني فغنت:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها ... إشارة محزون ولم تتكلم
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا ... وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتمم
قال فلم تتم الجارية الأبيات حتى خرّ الفتى مغشياً عليه، فقال يزيد للجارية قومي انظري إليه فقامت وحركته فإذا هو ميت، فقال لها يزيد ابكيه. فقالت يا أمير المؤمنين لا أبكيه وأنت حي، فقال ابكيه فوالله لو عاش لما انصرف إلا بك فبكت الجارية وبكى أمير المؤمنين بكاء شديداً، ثم أمر بالفتى فجهز ودفن وأما الجارية فلم تمكث بعده إلا أياماً قلائل وماتت.
حكاية: قيل دخل حسن بن الفضل على بعض الخلفاء وعنده كثير من أهل العلم فأحب الحسن أن يتكلم فزجره الخليف،

الصفحة 28