كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن
وقال أصبي يتكلم في هذا المقام؟ فقال يا أمير المؤمنين إن كنت صبياً فلست بأصغر من هدهد سليمان ولا أنت أكبر من سليمان عليه السلام إذ قال أحطت بما لم تحط به، ثم قال ألا ترى أن الله تعالى فهم الحكم لسليمان ولو كان الأمر بالأكبر لكان داود أولى.
حكاية: قيل إن الهدهد قال لسليمان عليه السلام إني أريد أن تكون في ضيافتي، فقال له سليمان أنا وحدي؟ فقال لا بل أنت والعسكر في جزيرة كذا يوم كذا، فمضى سليمان وجنوده إلى هناك وصعد الهدهد إلى الجو وصاد جرادة وكسرها ورمى بها في البحر، وقال يا نبي الله كلوا فمن فاته اللحم لم تفته المرقة فضحك سليمان وجنوده وأخذ بعض الشعراء فقال:
وكن قنوعاً فقد جرى مثل ... إن فاتك اللحم فاشرب المرقة
حكاية: عن الجاحظ قال دخلت المدينة يوماً فوجدت فيها معلماً في هيئة حسنة فسلّمت عليه فرد عليّ السلام أحسن رد ورحب بي فجلست عنده وباحثته في القرآن والقراءة فإذا هو
في ذلك ماهر، ثم باحثته في الفقه والنحو والصرف وعلم المعقول وأشعار العرب فإذا هو فيها كامل محقق، فقلت هذا والله مما يقوّي عزمي، قال فكنت أختلف إليه وأزوره فجئت يوماً لزيارته وإذ بالكتاب مغلق ولم أجده فسألت عنه فقالوا مات له ميت فحزن عليه فجئت إلى بيته فطرقت الباب فخرجت إليّ جارية وقالت لي ما تريد، فقلت أريد فلاناً فدخلت وخرجيت، فقالت ادخل بسم الله ودخلت إليه فإذا به جالس وحده فقلت عظم الله أجرك لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة كل نفس ذائقة الموت فعليك بالصبر، ثم قلت هذا الذي توفي ولدك، قال لا قلت فأخوك، قال لا قلت فما هو منك قال حبيبتي قلت في نفسي هذه أول القبائح فقلت يا سبحان الله النساء كثيرة وتجد غيرها، فقال أتظن أني رأيتها فقلت هذه شنيعة ثانية قلت له كيف عشقت من لم تره، فقال اعلم أني كنت جالس في هذا المكان وأنا أنظر إلى الطاق إذ رأيت رجلاً عليه برد وهو يقول:
يا أم عمرو جزاك الله مكرمة ... ردي عليّ فؤادي أينما كانا
فقلت في نفسي لولا أن أم عمرو هذه بديعة الجمال فائقة على أمثالها ما قيل فيها الشعر فعشقتها فلما كان بعد يومين مر ذلك الرجل بعينه وهو يقول:
الصفحة 29
224