كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن
تنتهون وتعظون ولا تتعظون أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم أم نطيع أمركم بألسنتكم فإن قلتم أطيعوا أمرنا واقبلوا نصحنا فكيف ينصح غيره من غش نفسه، وإن قلتم خذوا الحكمة حيث وجدتموها واقبلوا العظة ممن سمعتموها فعلى ما قلدناكم أزمة أمورنا وحكّمناكم في دمائنا وأموالنا أو ما تعلمون أن منا من هو أعرف منكم بصنوف اللغات أوبلغ في العظات فإن كانت الإمامة قد عجزتم عن إقامة العدل فيها فخلوا سبيلها وأطلقوا عقالها يبتدرها أهلها الذين قاتلتموهم في البلاد وشتتّم شملهم بكل واد أما والله لئن بقيت في أيديكم إلى بلوغ الغاية واستيفاء المدة لتضمحل حقوق الله وحقوق العباد فقال له كيف ذلك فقال لأن من كلمكم في حقه زجر ومن سكت عن حقه قهر فلا قوله مسموع ولا ظلمه مرفوع ولا من جار عليه مردوع وبينك وبين رعيتك مقام تذوب فيه الجبال حيث ملكك هناك خامل وعزل زائل وناصرك خاذل والحاكم عليك عادل فأكب عبد الملك على وجهه يبكي ثم قال له فما حاجتك فقال عاملك بالسماوة ظلمني وليله لهو ونهاره لغو ونظره زهو فكتب إليه بإعطائه ظلامته ثم عزله.
حكاية: عن بعض الأدباء قال حضر رسول ملك الروم عند المتوكل فاجتمعت به فقال لما أحضر الشراب ما لكم معاشر المسلمين قد حرم عليكم في كتابكم الخمر ولحم الخنزير فعملتم بأحدهما دون الآخر فقلت له أما أنا فلا أشرب الخمر فسل من يشربها فقال إن شئت أخبرتك قلت له قل فقال لما حرم عليكم لحم الخنزير وجدتم بدله ما هو خير منه لحوم الطيور أما الخمر فلم تجدوا ما يقاربه فلم تنتهوا عنه قال فخجلت منه ولم أدر ما أقول.
حكاية: عن محمد بن ابراهيم الموصلي قال أجزنا في بعض أسفارنا لحى من العرب فإذا رجل منهم قبيح الوجه في الغابة أحول ذو لحية طويلة بيضاء يضرب زوجة له وهي
جارية حسناء كاعب كأنها البدر فقمنا إليه نمنعه عن ضربها فقالت دعوه إنه أسدى إلى الله حسنة أذنبت أنا ذنباً فجعلني الله ثوابه وجعله عقابي.
حكاية: قيل إن كريم الملك كان من أهل الظرف والأدب فعبر يوماً تحت جوسق بستان فرأى جارية ذات وجه زاهر وكمال باهر لا يستطيع احد وصفها فلما نظر إليها ذهل عقله وطار لبه فعالد إلى منزله أورسل إليها هدية نفيسة مع عجوز كانت تخدمه وكانت الجارية قارئة فكتب إليها رقعة يعرض عليها الزيارة في جوسقها فلما رات الرقعة قبلت
الصفحة 4
224