كتاب نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن

شوقاً إليها حتى إذا أصبح عاد إليها فلم يزل عندها حتى أمسى ثم انصرف إلى أهله فبات بأطول من الليلة الأولى واجتهد أن يهجع فلم يقدر على ذلك فأنشأ يقول شعر:
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع
لقد نبتت في القلب منك مودة ... كما نبتت في الراحتين الأصابع
حكاية: نقل أن الرشيد كانت عنده جارية يحبها محبة شديدة وكانت سوداء واسمها خالصة جالسة عنده وعليها من الجواهر والدرر ما شاء الله تعالى وكان لا يفارقها ليلاً ونهاراً فدخل عليه أبو نواس ومدحه بأبيات بليغة فلم يلتفت إليه وبقي مشغولاً بالجارية فحصل لأبي نواس غبن في نفسه فخرج وكتب على باب الرشيد:
لقد ضاع شعري على بابكم ... كما ضاع عقد على خالصة
فقرأه بعض حاشية الملك ثم دخل وأخبره بذلك فقال علي بأبي نواس فلما دخل عليه من الباب محا تجويف العين من الموضعين من لفظ ضاع وأبقى أولهما على صورة الهمزة ثم أقبل على الملك فقال له ما كتبت على الباب قال كتبت:
لقد ضاء شعري على بابكم ... كما ضاء عقد على خالصة
فأعجب الرشيد ذلك وأجازه بألف درهم وقال بعض من حضر هذا شعر قلعت عيناه فأبصر.
حكاية: قيل إن الرشيد حلف أن يدخل على جارية له أياماً وكان يحبها فمضت الأيام ولم تسترضه فقال شعر:
صد عني أذراني مفتتن ... وأطال الصبر لما أن عطن
كان مملوكي فأضحى مالكي ... إن هذا من أعاجيب الزمن
ثم أحضر أبا العتاهية وقال له أجزها فقال:
عزة الحب أرته ذلتي ... في هواه وله وجه حسن
فلهذا صرت مملوكاً له ... ولهذا شاع ما بي وعلن
حكاية: قيل إن امرؤ القيس أودع السموأل بن عاديا قبل موته دروعاً وسلاجاً فأرسل ملك كندة يطلب الدروع والسلاح المودعة عنده فقال السموأل لا أدفعه إلا لمستحقه وأبى أن يدفع إليه شيئاً منها فعاوده فأبى وقال لا أعذر بذمتي ولا أخون أمانتي ولا أترك الوفاء الواجب علي فقصده ذلك الملك بعسكره فدخل السموأل في

الصفحة 8