كتاب نزهة الأبصار في مناقب الأنصار لابن الفراء

ثم قال: إن الجبان حتفه من فوقه، يريد أنه يظن أن منيته تحوم على رأسه، كما قال الله عز وجل في المنافقين إذ وصفهم بالجبن: {يحسبون كل صيحةٍ عليهم هم العدو فاحذرهم}.
وقال جرير للأخطل يعيره بقيس:
حملت عليك رجال قيس خيلها ... شعثاً عوابس تحمل الأبطالا
ما زالت تحسب كل شيء بعدها ... خيلاً يكر عليكم ورجالا
قال: ولو كان الأمر على ما ذهب إليه أبو عبيد ما كان معناه يدخل في باب الجبن، وليس أخذ الحذر من الجبن في شيء لأن أخذ الحذر محمود وقد أمر الله تعالى به، وأما قول بلال رضي الله عنه: بفج وحولي إذخر وجليل، ففج موضع خارج مكة بعد موته، ومجنة سوق من أسواق العرب، وأما شامة وطفيل، فقال الخطابي: كنت أحسبهما جبلين حتى مررت بهما ووقفت عليهما، فإذا هما عينان وفي طفيل يقول كثير:
ولا أنس م للأشياء لا أنس موقفاً لنا ولها بالخبت خبت طفيل ...
والخبت منخفض الأرض، وفي هذا الخبر وما ذكر فيه من الحنين إلى مكة ليل على ما جبلت عليه النفوس من حب الوطن والحنين إليه، وفي حديث أصيل الهذلي، ويقال فيه الغفاري أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوصف مكة وغضارتها فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لا تشوقنا يا أصيل، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه

الصفحة 357