كتاب نظم العقيان في أعيان الأعيان

دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدِي غُلَام من آل الْمُغيرَة اسْمه الْوَلِيد، فَقَالَ: من هَذَا؟ قلت الْوَلِيد، فَقَالَ: " قد اتخذتم الْوَلِيد حنانا. غيروا اسْمه، سَيكون فِي هَذِه الْأمة فِرْعَوْن يُقَال لَهُ الْوَلِيد ". انْتَهَت هَذِه الْفَائِدَة الحديثية.
ولد صَاحب التَّرْجَمَة فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس وَعشْرين وَثَمَانمِائَة. وَأخذ الْعلم عَن عَمه القَاضِي أبي السعادات وَغَيره، ولازم وَالِدي بِمَكَّة وبالقاهرة، فَأخذ عَنهُ الْفِقْه وَالْأُصُول والعربية، والمعاني وَالْبَيَان، وَبِه تخرج فِي الْفِقْه وَالْأُصُول. وانتفع بالشيخ أبي الْفضل المغربي فِي سَائِر الْفُنُون. وَأخذ أَيْضا عَن الْحَافِظ بن حجر، والكمال ابْن الْهمام، وَشَيخنَا التقي الشمني، وَشَيخنَا الشّرف الْمَنَاوِيّ، وَشَيخنَا الكافيجي وبرع وَمهر فِي الْفُنُون. وَولي قَضَاء مَكَّة المشرفة نَحْو ثَلَاثِينَ سنة. وانتهت إِلَيْهِ رياسة الْحجاز على الْإِطْلَاق. مَاتَ فِي لَيْلَة الْجُمُعَة سادس ذِي الْقعدَة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة.
وَلما جَاوَرت بِمَكَّة المشرفة اتّفقت لي مَعَه قَضِيَّة أوجبت بعض النفور، لما كنت أرى أَنه لَا يصدر مِنْهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ نشو وَالِدي، وغرس نعْمَته، وتربية بَيته، لِأَنَّهُ كَانَ فِي أول أمره فَقِيرا مملقاً خاملاً. فَكَانَ وَالِدي هُوَ الَّذِي يوءويه وَيقوم بموءنته، ويعلمه الْعلم، وَيعرف بِهِ الأكابر، وَيسْعَى لَهُ بالمرتبات. فَلَمَّا صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ، ورحت إِلَى هُنَاكَ رام أَن أكون فِي كنفه وَتَحْت لوائه، كَمَا كَانَ هُوَ عِنْد وَالِدي، وكما يكون أهل مصر عِنْده، رَغْبَة فِي مَاله. وَأَنا لست هُنَاكَ، انما أرَاهُ وَاحِدًا من جمَاعَة أبي كَانَ يحملني وَأَنا صَغِير على كتفه. فَلم يبلغ مني مَا رامه. فَكَانَ لَا يزَال

الصفحة 20