كتاب نزهة الأنام فى تاريخ الإسلام

الطلعة (¬1) ما كسرت له راية قط، ولما أيقن بالموت أخذ بعض مماليكه صنجقه (¬2) فكسره وقال: ما يحمله غيره، فقال: لا تفعل فو الله ما كسر قط.
قال أبو المظفر ابن الجوزي (¬3): أعتق مماليكه وجواريه وكان عفيفا عن المحارم ما خلا بامرأة قط إلا أن تكون زوجته أو جاريته، وبنى (¬4) مسجد أبي الدرداء بقلعة دمشق وزخرفه، وكان عاقدا مقامه فيه، والمسجد (¬5) الذي خارج باب النصر، وجامع العقيبة (¬6) وكان خان فسق (26 أ)، فاشتراه وهدمه وبناه جامعا، ومسجد القصب (¬7) خارج باب السلامة، وجامع بيت الآبار (¬8)، ودار الحديث الاشرفية (¬9) وأوقف عليها الأوقاف وزاد وقف دار الحديث النورية (¬10) وغير ذلك. وكان حسن الظن بالفقراء يحسن اليهم ويزورهم ويتفقدهم بالمال، وكان طول [ليالي] (¬11) رمضان لا يغلق باب القلعة وجفان (¬12) الحلوى خارجة الى الجامع والزوايا والربط والى الجبل وغيره، وكان إنعامه شاملا للخاص والعام. وكان مرضه في رجب من مرضين مختلفين في الأعالي والأسافل، وقوى عليه الذّرب (¬13) [فكان يتحامل إلى
¬_________
(¬1) في مرآة الزمان 8/ 711، ومفرج الكروب 5/ 140: «ميمون النقيبة» أي مبارك النفس، لسان العرب 1/ 768 مادة «نقب».
(¬2) كذا في الأصل والصواب سنجق، والسنجق باللغة العربية معناه الطعن وسميت الراية لأنها تكون في أعلى الرمح والرمح هو آلة الطعن، صبح الأعشى 2/ 134.
(¬3) انظر مرآة الزمان 8/ 711 و 714.
(¬4) في الأصل بنا وعند النعيمي: «وجدد مسجد الدرداء»، الدارس 2/ 293.
(¬5) هو مسجد دار السعادة، المصدر السابق ص 420.
(¬6) يعرف سابقا بخان الزنجبيلي، كانت تباع فيه الخمور وترتكب فيه الفواحش فهدمه الملك الأشرف وبنى موضعه جامعا وسماه جامع التوبة. المصدر السابق ص 426 وانظر مفرج الكروب 5/ 143.
(¬7) هو مسجد قديم على بابه قناه وموضوعه عند رأس زقاق سطرا فيه رؤوس الصحابة رضي الله عنهم، أنظر: الدارس 2/ 292 و 346.
(¬8) جمع بئر وهي قرية يضاف إليها كورة من عوطة دمشق فيها عدة قرى خرج منها غير واحد من العلما، معجم البلدان 1/ 775.
(¬9) بنى الملك الأشرف دارين للحديث هما: دار الحديث الجوانية جوار باب القلعة الشرقي، الدارس 1/ 19 ودار الحديث البرانية بسفح جبل قاسيون، المصدر السابق ص 47.
(¬10) نسبة الى بانيها السلطان نور الدين محمود بن زنكي (511 - 569 هـ‍) وهو أول من بنى دارا للحديث بدمشق، المصدر السابق ص 99.
(¬11) التكملة من مرآة الزمان 8/ 714.
(¬12) الجفان: جمع جفنة وهي الآنية التي يوضع فيها الطعام. صبح الأعشى 2/ 138.
(¬13) هو الداء الذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام ويفسد فيها ولا تمسكه. لسان العرب 1/ 385 مادة ذرب.

الصفحة 92