كتاب عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بالميمنة أهل التواصي بالصبر والمرحمة، وخص بالانتفاع بآياته أهلَ الصبر والشكر تمييزًا لهم بهذا الحظ الموفور، فقال في أربع آيات من كتابه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: ٥]، [لقمان: ٣١]، [سبأ: ١٩]، [الشورى: ٣٣].
وعلق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر، وذلك على من يسَّرَه عليه يسير، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١)} [هود: ١١].
وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أهلها لا تبور، فقال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣)} [الشورى: ٤٣].
وأمر رسوله بالصبر لحكمه، وأخبر أن صبره إنما هو به، وبذلك جميع المصائب تهون، فقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: ٤٨]، وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨)} [النحل: ١٢٧ - ١٢٨].
فالصبر آخيّة المؤمن التي يجول ثم يرجع إليها (¬١)، وساقُ إيمانه
---------------
(¬١) الآخيّة بالمد والتشديد: عود أو حبل يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه، ويصير وسطه كالعروة تشدّ إليه الدّابّة. انظر "النهاية" لابن الأثير (١/ ٢٩)، و"لسان العرب" (١٤/ ٢٣).
ولعل المصنف استفاد هذه العبارة من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "مثل المؤمن ومثل الإيمان، كمثل الفرس في آخيّته، يجول ثم يرجع إلى آخيّته". رواه أحمد في "مسنده" (٣/ ٥٥).
قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٢٠١): "رواه أحمد وأبو يعلى =

الصفحة 8