كتاب عدة المريد الصادق
79 - فصل
في تتبع الفضائل وأنواع المندوبات
وذلك أمر مدهش للنفس وموزع للقلب، من حيث أنه متشعب متعدد كثير قل أن تقع الإحاطة به، وهو يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، وربما أدى بعض من تعلق به إلى أن تدخل عليه محرمات لا يعلمها، فلقد رأيت من هو بهذا الوصف حتى أداه إلى الغفلة الكاملة مع ابتلائه بشكاوي الخلق وسماع كلمته في ذلك وقبوله له، فصار يقبل من كل أحد ما يجيئه به، ويعمل على مقتضاه، فيقع في المتضادات، وربما ضيع حقوق أناس بذلك، ولو أبقى فضلة من رقته لصقل فكرته لكان خيرا له من جميع عباداته، وقد غلب على أكثر الناس ذلك، أعني اتباع الفضائل وحبها، وتوهم النجاة بها مع بقائهم على محرمات وذنوب وعيوب لا بد من إزالتها، حتى إن يعضهم ليهمل الفرائض ويقصر فيها، ويكثر النوافل ويسارع إليها.
قال في الحكم: من علامة اتباع الهوى المسارعة إلى نوافل الخيرات، والتكاسل عن القيام بحقوق الواجبات، انتهى، فترى الواحد في هذا الزمان يقوم الليل كله ولا يقدر على فائتة يقضيها، ويتصدق بالممئين ولا يؤدي زكاة ماله، ويصوم الدهر ولا يكف عن عرض مسلم، ويذكر آناء الليل والنهار ولا يتعلم مسألة في دينه، بل لا تجد أثقل عليه من ذلك ومن التذكير به.
وقال محمد بن الورد (¬1) (ض): هلاك الخلق في حرفتين، العمل في النافلة بتضييع الفريضة، وعمل الجوارح بلا مواطئة القلب، والله تعالى لا يقبل عملا إلا بالصدق وموافقة الحق، انتهى بمعناه، وقال بعض التابعين: أدركت عددا من السلف كانوا لا يعدون العبادة في الصلاة ولا في الصيام، ولكن في
¬__________
(¬1) هكذا ورد، والصواب ابن أبي الورد وهو محمد بن أبي الورد، من كبار مشايخ العراقيين وأجلهم، كان من جلساء الجنيد (ت 263) طبقات الصوفية 249 وطبقات الشعراني 1/ 84.
الصفحة 239
361