كتاب عدة المريد الصادق
الترتيب: المنجمين والطبائعيين والمشرحين والفلاسفة المضلين.
وكنت يوما مع بعض من له ذوق في ذلك، فأردنا الكلام فيه على الوجه الذي تكلم به صاحب النفخ والتسوية (¬1) وغيره، فسمعنا بعض الصالحين ينكث علينا بقوله تعالى: {ستكتب شهادتهم ويسألون} (¬2) فكففنا ولم نتكلم في ذلك بعد، واذا كان سيد المرسلين الذي أوتي علم الأولين والآخرين لم يتكلم في ذلك، فكيف يتكلم فيه غيره، لا من طريق الحقيقة ولا من طريق الأدب، بل جاء في الخبر: ((أن اليهود قالوا: نسأله عن الروح، فإن أتى فيها بشيء فليس بنبي، فقال بعضهم: لا تفعلوا، فلعله يأتي بشيء تكرهونه، ثم سألوه، فأنزل الله تعالى: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (¬3) فاشتد ذلك عليهم))، وقوله: {من أمر ربي}، أي: ليس للقياس ولا للنظر فيها محل، بل هي من شأن الربوبية، لا ما يقوله بعض الناس، وأن عالم الأمر وراء العوالم، وذكر أمورا الله تعالى أعلم بها، وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله القوري رحمه الله غير مرة يقول: اختلف في حقيقة الروح على سبعمائة قول، وذلك دليل البعد عن العلم بحقيقتها، والله أعلم، لأن الحقيقة المعلومة لا يتناولها الخلاف لبيان أمرها، والبعيدة عن الإدراك يختلف فيها على قدر بعدها، لاتساع محتملاتها أو وجوهها، ومنه اختلافهم في معنى {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة} (¬4) على خمسمائة قول، كذا سمعته أيضا من شيخنا (¬5) القوري رحمة الله عليه.
...
¬__________
(¬1) يشير إلى من تكلم في قوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} والنفخ والتسوية للغزالي، وهو المصنون المغير. انظر دراسة محقق كتاب المنقذ من الضلال.
(¬2) الزخرف 19.
(¬3) الإسراء 85.
(¬4) البقرة 201.
(¬5) في خ: من متن شيخنا.
الصفحة 248
361