كتاب عدة المريد الصادق
ثم أودع القلوب من دخائر الغيوب، فهي معلقة بمواصلته، فهمومهم إليه ثائرة، وأعينهم بالغيب لله ناظرة، قد أقامهم على باب النظر من قربه، وأجلسهم على كرسي أطباء أهل معرفته، ثم قال: إن أتاكم عليل من فقدي فداووه، أو مريض من فراقي فعالجوه، أو خائف مني فأمنوه، أو آمن مني فحذروه، أو راغب في مواصلتي فمنوه، أو راحل نحوي فزودوه، أو جبان في متاجرتي فشجعوه، أو آيس من فضلي فعدوه، أر راج لإحساني فبشروه، أو حسن الظن في فباسطوه، أو محب لي فواطنوه، أو معظم لقدري فعظموه، أو مسيء بعد إحسان فعاتبوه، أو مسترشد فأرشدوه، إلى آخر القصة على ما ذكرناها في كتاب (البغية) مستوفاة، فهذه أحوال العارفين يا ولي، وهكذا تكون عمارة القلوب.
...
95 - فصل
ثم قال: فأما هؤلاء فوالله لو اطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيونا جامدة، متحركة غير هامدة، وإن نظرت إلى نفوسهم، نظرت نفوسا سامدة (¬1) وإن نظرت إلى قلوبهم رأيت قلوبا لاهية من العمارة العلوية القدسية، خالية على عروشها خاوية، آجاما لأسود ضارية، ومرابض لذئاب عاوية، فنسأل من الله عند رؤيتهم العافية، أين أهل زمانك يا ولي من قوم وصفهم أبو الفيض رحمه الله فقال: إن لله صفوة من خلقه، وإن لله الخيرة، قيل: يا أبا الفيض (¬2) ما علامتهم، قال: إذا خلع العبد الراحة، وبلغ المجهود في الطاعة، وأحب سقوط المنزلة، ثم قال:
منع القرآن بوعده ووعيده ... مقل العيون بليلها أن تهجع
فهموا عن الملك الكريم كلامه ... فهما تذل له القلوب وتخضع
¬__________
(¬1) صامدة: غافلة.
(¬2) كنية ذي النون ثوبان بن إبراهيم المصري.
الصفحة 277
361