كتاب عدة المريد الصادق

وأن الحال اليوم على ما وصفناه، وكنت تأتيني باكيا على نفسك، وأنا أيضا كذلك عسى الله أن يرحمنا، إلا إن رضيت لنفسك أن تكون منافقا مداهنا، وللمداهنين إماما، لا والله، لا أرضى والله بهذه الحالة لمسلم، فتب إلى الله تعالى، وراجع ربك لعله يرجع إليك ما كنت عليه من الخير، وتعال نقم مأتما ومناحة على التقصير في العمر اليسير، والاشتغال بالترهات والفرح بالخزعبلات، بل أصل الأباطيل، والله نقول: إن من ثقل عليه هذا الكلام، فهو بتلك الصفة التي وصفنا، ولهذا قلق، ولو كان بريئا منها، سكن كما يسكن عند ذكرنا ذم السراق والقطاع وأشباههم، ولما كان (¬1)، في هؤلاء مدخل فر إلى الاعتراض، ليزداد من الله بعدا في رده الحق، وليس اعتراضه علينا في هذا بأول دمع جرى على طلل، لم يزل أبدا كل من يتكلم في معايب النفوس وأحوالها، ويبدي نقائصها ويذم شأنها على التعيين وعلى غير التعيين - في كل زمان - مذموما عند أهل زمانه، لعدم موافقته أغراض النفوس، فإذا انقرض زمانه ومات، نشأت طائفة عند ذلك تعرف قدر ما جاء به ويقال: قال فلان (ض): هكذا كان الناس، انتهى كلامه في هذه الفصول التي فصلناها، وإلا هو لم يفصل شيئا، وبالله التوفيق.
...

99 - فصل
ثم أخذ بعد انتهاء كلامه المتقدم في محاسبة نفسه على ما هو به، ومشى في هذا إلى ذكر السماع، فقال رحمه الله: وروينا من حديث إبراهيم بن عبد الله بسنده إلى رجل من أشجع (¬2) قال: سمع الناس من المدائن
¬__________
(¬1) أي: المتكلم عنه وأمثاله.
(¬2) نقل المؤلف هذه الحكاية الطويلة المنسوبة إلى سلمان بهذا السند وفيه رجل مجهول، وذكر أولها أبو نعيم في الحلية 1/ 203 بقوله: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جرير، عن الأعمش، عن عبيد بن أبي الجعد، عن رجل من أشجع، قال: سمع الناس بالمدائن وهي عنده تنتهي عند قول ابن عربي هنا: ((قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم)) .. إلخ.

الصفحة 281