كتاب عدة المريد الصادق

قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله: وحدثنا الثقة أن الإمام أبا بكر [الشاشي] (¬1) رحمه الله، كان يعيب على أهل الكلام كثرة خوضهم فيه تعالى، وفي ذكر صفاته إجلالا لاسمه سبحانه، ويقول: هؤلاء يتمندلون بالله عز وجل.
وقال الخطابي (¬2) رحمه الله: وكان بعض من أدركنا من مشايخنا، قل ما يذكر الله إلا فيما يتصل بطاعة، وكان يقول للإنسان: جزيت خيرا، وقل ما يقول: جزاك الله خيرا، إعظاما لاسمه تعالى أن يمتهن في غير قربة.
قال بعض المشايخ (¬3): ومن تكلم في بعض علم الكلام من الأئمة، فإنما قصد لدفع ما أحدثه أهل الأهواء من الشبه والتخيلات التي لا يمكن ردها إلا بالكلام فيه، لابتنائها عليه، قال: واختلف العلماء هل لا يرد الباطل إلا بالحق، أو يرد بكل ما أمكن رده به، فمن منع من علم الكلام، قال بالأول، ومن أجاز قال بالثاني (¬4)، والله أعلم.
...
¬__________
(¬1) هو أبو بكر الشاشي محمد بن أحمد بن الحسين الشافعي (ت 507) تذكرة الحفاظ 3/ 1241.
(¬2) هو حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أبو سليمان، محدث فقيه (ت 388) شذرات الذهب 3/ 127.
(¬3) هو ابن أبي جمرة كما في بهجة النفوس له 1/ 143.
(¬4) رد الباطل كالسحر والصرع ونحوه لا يجوز بما لا يعرف معناه من العزائم والطلاسم، لأنها كثيرا ما تشتمل على الشرك والكفر، كما قال مالك رحمه الله تعالى في المجهولات: ((ما يدريك لعلها كفر))، قال المؤلف في قواعد التصوف 64: وقد رأيت من يرقي بألفاظ كفرية، فلا يكون الاستشفاء إلا بما شرعه الله تعالى ورسوله (ص)، قال تعالى: {ولا يفلح الساحر حيث أتى} وقد دلت الأحاديث الصحيحة أنه لا يجوز الوصول إلى الحق عن طريق الباطل، فقد نهى النبي (ص) عن إتيان الكهان، ولو كان يحصل للناس بإخبارهم نفع، وقال للذي سأله عن الرقي: ((أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك))، وقال: ((النشرة من عمل الشيطان))، وقال: ((من أتى عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد))، إلى غير ذلك من النصوص الشرعية الدالة على منع أن يتخذ الباطل طريقا إلى الحق، وليس للإنسان أن يدفع الضر عن نفسه بما شاء، ويجلب النفع بما يشاء، بل لا يكون ذلك إلا بأمر شرعه الله تعالى، لا بما حرمه، انظر مجموع الفتاوى 24/ 278، وأساسيات الثقافة الإسلامية للمحقق ص 176.

الصفحة 289