كتاب عدة المريد الصادق
قد ورد، وقد نبه الشيخ أبو عبد الله البلالي (¬1) رحمه الله، على أن الداعي للجماعة ينبغي له استقبالهم، لحديث دعائه (ص) في الاستقاء (¬2) ولا ينبغي إذا دعا الإمام أن يترك الإنسان الدعاء لنفسه، بل يدعو له وللمسلمين، ليخرج من عهدة ترك السنة للعمل بما عسى أن يكون بدعة، ونص الأئمة على أن الهتف بالميت بالمسجد بدعة (¬3)، وأن رفع الصوت فيه ولو بالعلم مكروه (¬4)، وذهب الشافعي إلى استحباب حزب الإدارة، وهو الذي يقرؤونه بالجمع، وقال مالك: هو بدعة، وكذا الذكر بالجمع، وقد تقدم.
...
106 - فصل
في المواعيد والاجتماعات
من الناس من يحضر الميعاد وقلبه لاه، فلا ينتفع به حسا ولا معنى، ومنهم من يحضره للمكابرة والمناظرة والمظاهرة، فلا يزده ذلك إلا خسرانا، لأنه إن رأى من أصحابه حسنة سدها، وإن رأى سيئة عدها، لأن سمع ما يستعين به على أغراضه الفاسدة حفظه، لأن سمع ما يفحم به خصمه ضبطه، ويريد إدحاض حجة غيره ولو بالباطل، وربما سمع الكلام من غيره في تحرير فهم أو إفادة حكمة فسبقه إلى إكماله، وأضافه إلى نفسه، فكان سارقا ومطففا بإدعاء فضيلة الغير لنفسه.
¬__________
(¬1) أبو عبد الله البلالي هو شمس الدين محمد بن علي بن جعفر، سمع الحديث واشتغل بالعلم وسلك طريق الصوفية (ت 820 هـ) شذرات الذهب 7/ 147.
(¬2) حديث دعائه في الاستسقاء يدل على أنه يستقبل القبلة، ففي الصحيح من حديث عباد بن تميم عن عمه قال: ((رأيت النبي (ص) يوم خرج يستسقي، فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ...))، البخاري مع فتح الباري 3/ 168.
(¬3) المراد به نعي الميت، والمناداة بموته في المسجد، فإنه منهي عنه.
(¬4) أي: فوق الحاجة، فقد كان مالك رحمه الله تعالى لا يحب رفع الصوت في المسجد لا في العلم، ولا في غيره.
الصفحة 297
361