كتاب عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين

والآية التي بعدها تؤكد هذا المعنى وفيها يقول الحق تبارك اسمه:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} .
والآية الأخيرة التي استشهدوا بها هي قوله تعالى حكاية عن طائفة من اليهود {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} هذه الآية نزلت في فضح طائفة من اليهود تشاورا فيما بينهم واتفقوا على أن يحدثوا بلبلة في من يستطيعون من المسلمين: فصلوا معهم صلاة الصبح متظاهرين بالإسلام ثم كفروا وعادوا للكفر آخر النهار ليظن المسلمون أنهم اكتشفوا عيباً في الإسلام بعد دخولهم فيه فرجعوا عنه. هذه خلاصة امينة لما ذكره المفسرون في سبب نزول هذه الآية وقد تقدم لنا القول بأن علماء الأمة مجمعون على أن الردة لا تتحقق إلا ممن كان مسلماً حقاً. وهذه الطائفة من اليهود تظاهرت بالإسلام مؤامرة وكيداً فلا ينطبق عليهم وصف الردة لأنهم كانوا تظاهروا بأنهم اسلموا كانوا باقين على كفرهم لذلك لم توقع عليهم عقوبة الردة، وهي القتل. وعلى هذا فلا دليل ابداً لمنكري حد الردة في هذه الآية. وهذا ظاهر.
اختلاف الأقوال:
ومن الؤسف حقاً أن أحد منكري حد الردة نقل هذه الآية وقال إن ابن كثير - صاحب التفسير المعروف - علق على هذه الآية فقال:

الصفحة 17