كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة ط الفكر (اسم الجزء: 3)
لقد غادر الركبان يَوْم تحملوا ... بروذة شخصًا لا جبانا ولا غمرا [١]
فقل لزبيد، بل لمذحج كلّها ... رزئتم أبا ثور قريعكم [٢] عمرا
روى عَنْهُ شراحيل [٣] بْن القعقاع أَنَّهُ قَالَ: علمنا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التلبية: «لبيك اللَّهمّ لبيك، لبيك لا شريك لَكَ لبيك، إن الحمد والنعمة لَكَ والملك لا شريك لك» . فَقَالَ عَمْرو:
لقد رأيتنا منذ قريب ونحن إِذَا حججنا فِي الجاهلية نقول:
لبيك تعظيمًا إليك عذرًا ... هذي زبيد قَدْ أتتك قسرا
تعدو بها مضمرات شزرا ... يقطعن خبتًا وجبالًا [٤] وعرا
قَدْ تركوا الأوثان خلوا [٥] صفرا قَالَ: فنحن والحمد للَّه نقول كما علمنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم [٦] .
وروى عن الشَّافعيّ رحمه اللَّه قَالَ: وجه رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم على بن أبي طَالِب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وخالد بْن سَعِيد بْن العاص إِلَى اليمن، وقَالَ: إِذَا اجتمعتما فعلي الأمير، وَإِذا افترقتما فكل واحد منكما أمير. «فاجتمعا، وبلغ عمرو بن معديكرب مكانهما، فأقبل فِي جماعة من قومه، فلما دنا منهما قَالَ: «دعوني حتَّى آتي هَؤُلَاءِ القوم، فأني لم أسم لأحد قط إلا هابني» . فلما دنا منهما نادى: «أَنَا أَبُو ثور، أَنَا عمرو بن معديكرب» فابتدره عليّ وخالد، وكل واحد منهما يَقُولُ لصاحبه: «خلني وَإِياه ويفديه بأبيه وأمه» . فَقَالَ عَمْرو إِذ سَمِعَ قولهما: العرب تفزع مني وأراني لهؤلاء جزرًا [٧] ، فانصرف عَنْهُمَا.
وكان شاعرًا محسنًا، ومن جيد شعره قولُه [٨] :
أمن ريحانة الداعي السميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع
إِذَا لم تستطع شيئًا فدعه ... وجاوزه إِلَى ما تستطيع
---------------
[١] الغمر- بضم الغين وفتحها مع سكون العين، وبفتحتين-: الّذي لم يجرب الأمور.
[٢] القريع: المقارع، يقال: هو قريعك، للذي يقارعك في الحرب ويضاربك.
[٣] كذا، وفي الاستيعاب: «شرحبيل» ، ولم نجده.
[٤] الخبت: المكان المطمئن.
[٥] في المطبوعة: «خلفوا صفرا» والصواب عن مخطوطة الدار والاستيعاب.
[٦] الأثر في الاستيعاب: ٣/ ١٢٠٣.
[٧] الجزر- بفتحتين-: كل شيء معد للذبح.
[٨] من القصيدة ٦١ في الأصمعيات: ١٧٢، ١٧٤. والبيت الأول في الشعر والشعراء لابن قتيبة: ٣٧٢، والثاني في معجم الشعراء للمرزباني: ١٦، والاثنان معا في الاستيعاب: ٣/ ١٢٠٤. وينظر الأغاني: ١٤/ ٣٢.