كتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة ط الفكر (اسم الجزء: 6)

فرق له أبوه وأمره فارتجعها، ثم شهد عَبْد اللَّه الطائف مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فرمي بسهم فمات منه بالمدينة، فقالت عاتكة ترثية:
رزئت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكر، وما كان قصرا
فآليت لا تنفك عيني حزينة ... عليك، ولا ينفك جلدي أغبرا [١]
فللَّه عينا من رأى مثله فتى ... أُّكرّ وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
فتزوجها زيد بن الخطاب. وقيل: لم يتزوجها، وقتل عنها يوم اليمامة شهيدا، فتزوجها عمر بن الخطاب سنة اثنتي عشرة، فأولم عليها، فدعا جمعا فيهم علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين، دعني أكلم عاتكة. قال: افعل. فأخذ بجانبي الباب وقال: يا عدية نفسها، أين قولك:
فآليت لا تنفك عيني حزينة ... عليك، ولا ينفك جلدي أغبرا
فبكت، فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن؟ كل النساء يفعلن هذا. فقال:
قال الله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ٦١: ٢- ٣) فقتل عنها عمر، فقالت ترثيه:
عين، جودي بعبرة ونحيب ... لا تملي عَلَى الإمام النحيب
قل لأهل الضراء والبؤس: موتوا ... قد سقته المنون كأس شعوب [٢]
ثم تزوجها الزبير بن العوام، فقتل عنها، فقالت ترثيه:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة [٣] ... يوم اللقاء وكان غير معرد [٤]
يا عمرو، لو نبهته لوجدته ... لا طائشا رعش الجنان ولا اليد
كم غمرة قد خاضها لم يثنه ... عنها طرادك يا ابن فقع القردد [٥]
---------------
[١] البيت في طبقات ابن سعد: ٨/ ١٩٤، وكتاب نسب قريش: ٢٧٧.
[٢] الشعوب: المنية.
[٣] البهمة: واحدة البهم- بضم ففتح- وهي: معضلات الأمور.
[٤] عرد الرجل تعريدا: فر.
[٥] الفقع: ضرب من أردأ الكمأة- وهي نبات يخرج دون غرس- والقردد: أرض مرتفعة إلى جنب وهدة. وقال أبو حنيفة: الفقع يطلع من الأرض فيظهر أبيض، وهو رديء، والجيد ما حفر عنه واستخرج. ويشبه به الرجل الذليل، لأن الدواب تنجله بأرجلها.

الصفحة 184