كتاب عقلاء المجانين للضراب

14- حدثني عبد الواحد بن بكر الورثاني، أن منصور بن أحمد الهروي قال: سمعت أبا الحسين محمد بن علي الخوارزمي، قال: سمعت ذا النون المصري يقول:
مررت بأرض مصر، فرأيت الصبيان يرمون رجلاً بالحجارة، فقلت لهم: ما تريدون منه؟ فقالوا: مجنونٌ، يزعم أنه يرى الله عز وجل. فقلت: أفرجوا عنه؛ فأفرجوا لي، فدخلت، فإذا أنا بشاب مسندٍ ظهره إلى الحائط، فقلت له: ما تقول -رحمك الله- فيما يقول هؤلاء؟ فقال: وما يقولون؟ قلت: يزعمون أنك ترى الله.
قال فسكت ساعةً، ثم رفع رأسه، ودموعه تجري على خديه، فقال لي: والله ما فقدته منذ عرفته، ولو فقدته ما أطعته، ثم أنشأ وهو يقول:
همم المحب تجول في الملكوت بالقلب ... ليسمو، واللسان صموت
وزادني غيره: وهو يقول:
أيها الشامخ الذي لا يرام ... نحن من طينةٍ عليك السلام
إنما هذه الحياة متاعٌ ... ومع الموت تستوي الأقدام
15- نا أحمد بن سعيد الإخميمي، نا عبد الوهاب بن يزيد الصدائي، نا إبراهيم بن المنذر، قال:
رأيت بعض المتعبدين، وعليه جبةٌ من الشعر الأسود، مكتوبٌ عليه سطرين بالصوف الأبيض:
جَدَّ بالغرة في الغفلة رَكضي ... وشبابي الغض عني سوف يمضي
-[29]-
وأراني غير شكٍّ متمادٍ ... في هوى النفس، وربي لستُ أُرضي
قال: وإذا بيده قطعة من الخشب، عليها مكتوبٌ:
كل يومٍ يمر يأخذ بعضي ... يُذهب الأطيبين مني فيمضي
نفس كُفي عن المعاصي تفوزي ... ما المعاصي على العباد بفرض
قال: فقلت له: إلى أين تريد -يرحمك الله-؟ قال: فأنشأ يقول:
أطلب رباً مهيمناً محمود ... بارئ الخلق، ماجد معبود
جاد بالفضل والنوال جميعاً ... فهو بالفضل والعطا موجود
قال: ثم ولى، وتركني أفكر في أمره.

الصفحة 28