كتاب عقلاء المجانين للضراب

20- نا عبد الواحد بن بكر الورثاني، أبو الفرج، نا محمد بن عبد الله الرازي، حدثني سليمان بن أحمد بدمشق، نا الحسن بن علي بن جعفر النخعي، قال:
قال لي ذو النون المصري: لقيت بعض السواح، فقلت: من أين أقبلت؟ فأنشأ يقول:
من عند من علق الفؤاد بحبه ... فشكا إليه بخاطرٍ مشتاق
يبغي إليه من الوصال تقرباً ... فيه الشفاء لِوامِقٍ تَوَّاق
21- أنا أحمد بن مروان، نا ابن أبي الدنيا، قال:
قال ذو النون: خرجت إلى الشام للقاء رجلٍ، ذكر لي عنده فضلٌ، يعرف برجاء المسوحي، فوجدته عرياناً، على سوأته خرقةٌ، قائماً على جبل ثلجٍ في يوم شاتٍ شديدٍ برده، فوقفت أنظر إليه، وأتعجب من أمره؛ فلما رأى مني ذلك، تبسم إلي، ثم قال لي: يا ذا النون، أتراه يعريني ثم لا يدفئني؟! وأنشأ يقول:
وكافرٍ بالله أمواله ... تزداد أضعافاً على كفره
ومؤمن ليس له درهمٌ ... يزداد إيماناً على فقره
لا خير فيمن لم يكن عاقلاً ... يمد رجليه على قِدره
-[34]-
قال: وقال لي ذي النون: وذكر لي شيئاً، وولع الوله بلُبه، وتقسم الخوف قلبه، فخرجت أنظر إليه، فأذا به على الجبل الأحمر، وكان لو أراد أن يخبز عليه الخبز من شدة حره لنضج، فعجبت من صبره عليه، فوقفت أنظر إليه، فلما رآني كذلك، قال لي: يا ذا النون، شدة الشوق والهوى، حملاني على ما تراني، وأنشأ يقول:
كم يلبث الجنب على الجمر ... وكم عسى يستعمل الصبر
سألته الإنصاف في حبه ... فأوكل الأمر إلى الحشر
والله لا زلت له عاشقاً ... وإن أمت أذكر في القبر

الصفحة 33