كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقال: "جُعلت لنا الأرضُ مسجدًا وطَهورًا" (¬١) أي مطهِّرًا (¬٢).
وهذه صفة للماء، دون غيره من المائعات؛ فلذلك طهَّر غيرَه، ودفَع النجاسةَ عن نفسه.
والحدَث: هو معنًى يقوم بالبدن تمتنع معه الصلاة والطواف.
والنجاسة: هي أعيان مستخبَثة في الشرع يمتنع [٢/ب] المصلِّي من استصحابها. وهي في الأصل مصدر نجُس الشيءُ ينجُس نجاسةً فهو نَجِس، ويقال: نجِسَ الشيءُ ينجَس نجَسًا. ثم سُمِّي الشيء النجِس نجاسةً ونجَسًا، فلا يُثنَّى ولا يُجمع إلا أن تريد (¬٣) الأنواع.
والماء يطهِّر من الحدث والنجاسة لقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وقوله تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١] وقوله في آية الوضوء {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦]. وتطهُّرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالماء مشهور، وأجمعت الأمة على ذلك.

مسألة (¬٤): (ولا تحصل الطهارة بمائع غيره).
أمَّا طهارة الحدث، فهي كالإجماع لأنّ الله تعالى أمر بالتيمُّم عند عدم
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٣٥) ومسلم (٥٢١) من حديث جابر بن عبد الله.
(¬٢) في المطبوع: "مطهرة". وما أثبتناه من الأصل يصح تأويله بأنه فسَّر الطهور غير ناظر إلى "الأرض"، أو أراد تراب الأرض. وانظر مثله في كلام ابن دقيق العيد في "إحكام الأحكام" (١/ ١٥٠): "بكونها طهورًا أي مطهرًا".
(¬٣) في الأصل أهمل حرف المضارع. وفي المطبوع: "يريد".
(¬٤) "المغني" (١/ ١٧ - ١٩)، "الشرح الكبير" (١/ ٨٨ - ٩٤)، "الفروع" (١/ ٥٨).

الصفحة 6