كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وعن مجاهد: قال كنتُ مع ابن عمر، فثوَّب رجلٌ في الظهر أو العصر، فقال: اخرج بنا، فإنَّ هذه بدعة. رواه أبو داود في «سننه» (¬١).
وعن مجاهد قال: لما قدِم عمرُ مكة، فأذَّن أبو محذورة، ثمَّ أتى عمر، فقال: الصلاة يا أمير المؤمنين، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح. قال عمر: أمَا كان في دعائك الذي دعوتَنا إليه أولًا ما كفاك، حتَّى تأتينا ببدعةٍ تُحدِثها لنا؟ رواه سعيد وابن بطة (¬٢).
وهذا كله إذا كانوا قد سمعوا النداء الأول. فإن لم يكن الإمام أو البعيد من الجيران [ص ٣] قد سمع النداء الأول، فلا ينبغي أن يُكرَه تنبيههُ، لما تقدَّم عن بلال أنه أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِيُؤْذِنه بصلاة الفجر بعد الأذان، فقيل: إنه نائم. فقال: الصلاة خير من النوم (¬٣).
قال ابن عقيل: فإن تأخَّر الإمام الأعظم أو إمام الحي أو أماثل الجيران، فلا بأس أن يمضي إليه منبِّه يقول له: قد حضرت الصلاة؛ لأنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قصَده بلال ليؤذِنه بالصلاة وهو مريض، فقال: «مُروا أبا بكر أن يصلِّي بالناس». وذكر احتمال أنَّ نداء الأمراء ليس ببدعة، لأنه فُعِلَ على عهد معاوية (¬٤). ولعله اقتدى به في ذلك، في حديث بلال لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ بلالًا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتَّى ينادي ابن أم مكتوم» (¬٥).
---------------
(¬١) برقم (٥٣٨)، وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢/ ٤٠٣).
(¬٢) وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة (٣٥٣٤)، وابن المنذر في «الأوسط» (٤/ ٩١).
(¬٣) تقدم تخريجه.
(¬٤) انظر: «الأوسط» لابن المنذر (٣/ ٥٧).
(¬٥) كذا ورد في الأصل والمطبوع. وفي «الفروع» (١/ ١١): « ... زمن معاوية، ولعله اقتدى بفعل بلال، حيث آذن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة وكان نائمًا، وجعل يثوِّب لذلك. وأقرَّه على ذلك». والظاهر أن الحديث المذكور وقع هنا سهوًا لانتقال النظر إلى المسألة الآتية.

الصفحة 110