كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وقوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ} [النساء: ١١٧ - ١١٨].
فإن الدعاء في هذه المواضع يراد به نفسُ اتخاذ المدعوِّ ربًّا وإلهًا، بحيث يُسأَل ويُعبَد. وقد فصَّل الله معنى الدعاء في قوله (¬١): {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥]، وفي قوله (¬٢): {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ٢٣]، وفي قوله: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: ٨٨، الشورى: ١٠] ونحو ذلك من الآي. فهو يُعبد من حيث هو (¬٣) إله، ويُسأل من حيث هو ربٌّ. وإن كان كلُّ عابد سائلًا وطالبًا، وكلُّ سائل عابدًا وقاصدًا من جهة الالتزام. فسُمِّيت العبادات (¬٤) لله المحضة مثل القراءة (¬٥) والذكر والسؤال والركوع والسجود والطواف صلاة، إذ (¬٦) هي دعاء لله وعبادة لله بلا توسُّط شيء آخر. ولهذا قال ابن مسعود: ما دمتَ تذكر الله، فأنت في صلاة، وإن كنت في السوق (¬٧).
---------------
(¬١) في الأصل والمطبوع: «فصَّل معنى الدعاء بقوله»، والمثبت من (ف).
(¬٢) في الأصل والمطبوع: «وقوله تعالى». والمثبت من (ف).
(¬٣) «هو» ساقط من (ف).
(¬٤) في (ف): «العبادة».
(¬٥) الكلمة في الأصل غير محررة، فقرأها في المطبوع: «الصلاة»، والصواب ما أثبت من (ف).
(¬٦) في المطبوع: «أو»، تصحيف.
(¬٧) وكذا حكاه عن ابن مسعود في «اقتضاء الصراط المستقيم» (١/ ١٠٨) و «جامع المسائل» (٦/ ٣١٥) و «مجموع الفتاوى» (١٤/ ٢١٥). وفيه (٣٢/ ٢٣٢) عن أبي الدرداء. وأخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد (٢٠٢٩) عن مسروق بلفظ: «ما دام قلب الرجل يذكر الله عز وجل فهو في الصلاة وإن كان في السوق». وبهذا اللفظ في «حلية الأولياء» (٤/ ٢٠٤) عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود.

الصفحة 6