كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

والمرض وغير ذلك، وإن لم يجب الأداء مع هذه الأسباب، ولأن إيجاب القضاء عليه لا مشقَّة فيه هنا بخلاف إيجاب قضاء الصلاة، ولأن الصوم قد لا يتكرَّر مثلُه في حال الإفاقة فيفضي إلى تركه بالكلّية بخلاف الصلاة، وذلك لأنه زوالُ عقلٍ فلم يمنع وجوب القضاء كالإغماء والسُّكْر.
فعلى هذه الرواية يجب عليه القضاء، سواء كان الجنون طارئًا عليه بعد البلوغ أو مُسْتَدامًا من حين البلوغ، وسواء استغرق الشهرَ أو بعضَه.
فأما إن توالت عليه رمضاناتٌ في حال الجنون، فعلى ما ذكره القاضي إنما يقضي الرمضانَ الذي أفاق بعده، فأما ما قبل ذلك الرمضان فلا يقضيه؛ لأن أحسن أحواله أن يكون كالحائض، والحائض لابدّ أن يتخلّل بين الرمضانين زمنٌ لقضائها (¬١).
وكلامُ غيره: تُصام، وهو ظاهر كلامه في هذه الرواية؛ لأنه عُذْرٌ توالَى في عِدّة رمضانات، فلم يُسْقط القضاءَ كالمرض والسفر.
ووجه الأول: أن قوله: «رُفِع القلمُ عن المجنون حتى يَفِيق» (¬٢) يقتضي
---------------
(¬١) هنا بياض في النسختين، وسياق الكلام متصل.
(¬٢) روي من حديث عليّ وقد تقدم تخريجه في كتاب الصلاة. وأخرجه أحمد (٢٤٦٩٤)، وأبو داود (٣٩٩٨)، والنسائي (٣٤٣٢)، وابن ماجه (٢٠٤١)، وابن حبان (١٤٢)، والحاكم: (٢/ ٥٩) وغيرهم من حديث عائشة - رضي الله عنها -. قال البخاري: «أرجو أن يكون محفوظًا»، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه». وسكت عليه الذهبي. وقال ابن الملقن في «البدر المنير»: (٣/ ٢٢٥): له طرق أقواها طريق عائشة. وينظر «الإمام»: (٣/ ٥٢٤)، و «نصب الراية»: (٤/ ١٦٢)، و «التلخيص»: (١/ ١٩٤).

الصفحة 21