كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

والذوق، فيُغطي، فيزول العقل تبعًا لذلك، بخلاف الجنون فإنه يُزيلُ العقلَ خاصة، فيُلْحِقه بالبهائم.
فصل
فأما مَن زال عقلُه بغير جنون من إغماء أو غيره، فإنه يجب عليه الصوم بغير خلاف في المذهب، ويصحُّ صومُه إذا نواه في وقت تصحُّ فيه النية، وأفاقَ بعضَ النهار، سواء أفاق في أحدَ الطرفين أو في الوسط.
فأما إن أُغمي عليه جميعَ النهار لم يصح صومُه. ولو نام جميعَ النهار صحّ صومُه. هذا هو المنصوص المشهور في المذهب (¬١)، وإن كان سكرانَ أو مبنَّجًا أو زال عقلُه (¬٢) بشرب دواء ... (¬٣)، وذلك لأن الإغماء مرضٌ من الأمراض، فلم يمنع صحةَ الصوم كسائر الأمراض.
وإنما اشترطنا أن يفيق في جزء من النهار لأن الصوم لابدّ فيه من الإمساك؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربِّه في صفة الصائم: «يدَعُ طعامَه وشهوتَه مِنْ أجلي» (¬٤). والإمساكُ لا يكون إلا مع حضور العقل.
ولم نشترط وجود الإمساك في جميع النهار، بل اكتفينا بوجوده في بعضه لأنه دخل في عموم قوله: «يدعُ طعامَه وشهوتَه مِنْ أجلي».
فعلى هذا إن نوى الصومَ من الليل، ثم أُغْمِي عليه في أثناء النهار
---------------
(¬١) ينظر «المغني»: (٤/ ٣٤٣ - ٣٤٤)، و «الفروع»: (٤/ ٤٣٤ - ٤٣٥).
(¬٢) ق: «العقل».
(¬٣) بياض في النسختين.
(¬٤) أخرجه مسلم (١١٥١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

الصفحة 23