كتاب شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظًا مجملًا وفسَّره بمعنى، وجبَ الرجوعُ إلى تفسيره؛ لأنه أعلم باللغة، ولأنه يدري (¬١) بقرائن الأحوال من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ما يَعْلَم به قصدَه، وقرائنُ الأحوال في الغالب لا يمكن نقلها، ولأنه شَهِد التنزيلَ وحَضَر التأويلَ وشاهَدَ الرسولَ، فيكون أعلم بما لم ينقله ويرويه (¬٢)، فكيف بما قد نقله ورواه؟!
ولهذا رُجِع إلى (¬٣) ابنِ عمر في تفسيره التفرُّق أنه التفرق بالأبدان لمَّا روى حديثَ: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرّقا» (¬٤) لاسيما والراوي هو ابن عمر، وكان في اتباعه للسنة وتحرِّيه لدينه بالمكان الذي لا يخفى، وتفسيرُه مقدَّم على تفسير غيره ممن هو بعده في الفقه واللغة.
الثاني: من جهة اللغة، فإنهم يقولون: قَدَرْتُ الشيءَ أقدُرُه وأقدِره قدْرًا، بمعنى قدَّرته أقدِّره تقديرًا، يقولون: قَدَر اللهُ هذا الأمر وقَدَّره من القضاء، وقَدَرْتَ الشيءَ وقَدَّرته من الحساب، وقَدَر على عياله قَدْرًا مثل قَتَر، وقُدِر على الإنسان رزقُه مثل قُتِر.
---------------
(¬١) س: «يدرك».
(¬٢) س: «بما ينقله ويرويه». وما في ق هو الموافق للمعنى، والمقصود بما لم ينقله، أي من قرائن الأحوال التي لا يمكن نقلها.
(¬٣) «إلى» سقطت من س والمطبوع، والمثبت من ق وهو المناسب للسياق، وينظر «التحقيق»: (٢/ ٧٢) لابن الجوزي.
(¬٤) أخرجه البخاري (٢١٠٩)، ومسلم (١٥٣١). وتفسير ابنُ عمر للتفرق بأنه التفرّق بالأبدان رواه البخاري (٢١١٦) عنه بلفظ: «بعتُ من أمير المؤمنين عثمان بن عفان مالًا بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعتُ على عقبي حتى خرجت من بيته خشيةَ أن يُرادّني البيع، وكانت السنة: أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا».

الصفحة 64